قال البخاري:حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال:"البحيرة ":التي يمنع درها للطواغيت ، فلا يحلبها أحد من الناس . و "السائبة ":كانوا يسيبونها لآلهتهم ، لا يحمل عليها شيء - قال:وقال أبو هريرة:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، كان أول من سيب السوائب "- و "الوصيلة ":الناقة البكر ، تبكر في أول نتاج الإبل ، ثم تثني بعد بأنثى ، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر . و "الحام ":فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت ، وأعفوه عن الحمل ، فلم يحمل عليه شيء ، وسموه الحامي .
وكذا رواه مسلم والنسائي ، من حديث إبراهيم بن سعد ، به .
ثم قال البخاري:وقال لي أبو اليمان:أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال:سمعت سعيدا يخبر بهذا . وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه . ورواه ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال الحاكم:أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت ، عن الزهري . كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزني في "الأطراف "وسكت ولم ينبه عليه . وفيما قاله الحاكم نظر ، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، عن الزهري نفسه . والله أعلم .
ثم قال البخاري:حدثنا محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة ; أن عائشة قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، ورأيت عمرا يجر قصبه ، وهو أول من سيب السوائب ". تفرد به البخاري .
وقال ابن جرير:حدثنا هناد ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأكثم بن الجون:"يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا به منك ". فقال أكثم:تخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه أول من غير دين إبراهيم ، وبحر البحيرة ، وسيب السائبة ، وحمى الحامي ". ثم رواه عن هناد ، عن عبدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بنحوه أو مثله .
ليس هذان الطريقان في الكتب .
وقال الإمام أحمد:حدثنا عمرو بن مجمع ، حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن أول من سيب السوائب ، وعبد الأصنام ، أبو خزاعة عمرو بن عامر ، وإني رأيته يجر أمعاءه في النار ". تفرد به أحمد من هذا الوجه .
وقال عبد الرزاق:أنبأنا معمر ، عن زيد بن أسلم قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير دين إبراهيم - عليه السلام - ". قالوا:من هو يا رسول الله؟ قال:"عمرو بن لحي أخو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار . وإني لأعرف أول من بحر البحائر ". قالوا:من هو يا رسول الله؟ قال:"رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار وهما يعضانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما ".
فعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة ، أحد رؤساء خزاعة ، الذين ولوا البيت بعد جرهم . وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل ، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها ، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها ، كما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام ، عند قوله تعالى:( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) [ الأنعام:136] إلى آخر الآيات في ذلك .
فأما البحيرة ، فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:هي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا ذبحوه ، فأكله الرجال دون النساء . وإن كان أنثى جدعوا آذانها ، فقالوا:هذه بحيرة .
وذكر السدي وغيره قريبا من هذا .
وأما السائبة ، فقال مجاهد:هي من الغنم نحو ما فسر من البحيرة ، إلا أنها ما ولدت من ولد كان بينها وبين ستة أولاد كان على هيئتها ، فإذا ولدت السابع ذكرا أو ذكرين ، ذبحوه ، فأكله رجالهم دون نسائهم .
وقال محمد بن إسحاق:السائبة:هي الناقة إذا ولدت عشر إناث من الولد ليس بينهن ذكر ، سيبت فلم تركب ، ولم يجز وبرها ، ولم يحلب لبنها إلا الضيف .
وقال أبو روق:السائبة:كان الرجل إذا خرج فقضيت حاجته ، سيب من ماله ناقة أو غيرها ، فجعلها للطواغيت . فما ولدت من شيء كان لها .
وقال السدي:كان الرجل منهم إذا قضيت حاجته أو عوفي من مرض أو كثر ماله سيب شيئا من ماله للأوثان ، فمن عرض له من الناس عوقب بعقوبة في الدنيا .
وأما الوصيلة ، فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا إلى السابع ، فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء ، وإن كان أنثى استحيوها ، وإن كان ذكرا وأنثى في بطن استحيوهما وقالوا:وصلته أخته فحرمته علينا . رواه ابن أبي حاتم .
وقال عبد الرزاق:أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب:( ولا وصيلة ) قال:فالوصيلة من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بأنثى ، ثم تثنى بأنثى ، فسموها الوصيلة ، ويقولون:وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم .
وكذا روي عن الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله .
وقال محمد بن إسحاق:الوصيلة من الغنم:إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن ، توأمين توأمين في كل بطن ، سميت الوصيلة وتركت ، فما ولدت بعد ذلك من ذكر أو أنثى ، جعلت للذكور دون الإناث . وإن كانت ميتة اشتركوا فيها .
وأما الحام ، فقال العوفي عن ابن عباس قال:كان الرجل إذا لقح فحله عشرا ، قيل حام ، فاتركوه .
وكذا قال أبو روق وقتادة . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:وأما الحام فالفحل من الإبل ، إذا ولد لولده قالوا:حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه شيئا ، ولا يجزون له وبرا ، ولا يمنعونه من حمى رعي ، ومن حوض يشرب منه ، وإن كان الحوض لغير صاحبه .
وقال ابن وهب:سمعت مالكا يقول:أما الحام فمن الإبل كان يضرب في الإبل ، فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس وسيبوه .
وقد قيل غير ذلك في تفسير هذه الآية . وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ، من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص الجشمي ، عن أبيه مالك بن نضلة قال:أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلقان من الثياب ، فقال لي:"هل لك من مال؟ "قلت نعم . قال:"من أي المال؟ "قال:فقلت:من كل المال ، من الإبل والغنم والخيل والرقيق . قال:"فإذا آتاك الله مالا فلير عليك ". ثم قال:"تنتج إبلك وافية آذانها؟ "قال:قلت:نعم . قال:"وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ "قال:"فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقول:هذه بحير ، وتشق آذان طائفة منها ، وتقول:هذه حرم؟ "قلت:نعم . قال:"فلا تفعل ، إن كل ما آتاك الله لك حل "، ثم قال:( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) أما البحيرة:فهي التي يجدعون آذانها ، فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها ، فإذا ماتت اشتركوا فيها . وأما السائبة:فهي التي يسيبون لآلهتهم ، ويذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها ، وأما الوصيلة:فالشاة تلد ستة أبطن ، فإذا ولدت السابع جدعت وقطع قرنها ، فيقولون:قد وصلت ، فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض . هكذا يذكر تفسير ذلك مدرجا في الحديث . وقد روي من وجه آخر عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك ، من قوله ، وهو أشبه .
وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ، عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن أبيه ، به . وليس فيه تفسير هذه والله أعلم .
وقوله:( أي:ما شرع الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة ، ولكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعا لهم وقربة يتقربون بها إليه . وليس ذلك بحاصل لهم ، بل هو وبال عليهم .