ثم قال:( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) أي:له سوية أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه ، وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام ، كما قال:( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) [ الزخرف:59] .
وقوله:( وأمه صديقة ) أي:مؤمنة به مصدقة له . وهذا أعلى مقاماتها فدل على أنها ليست بنبية ، كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق ونبوة أم موسى ونبوة أم عيسى استدلالا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله:( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) [ القصص:7] [ قالوا] وهذا معنى النبوة ، والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال ، قال الله تعالى:( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف:109] ، وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك .
وقوله:( كانا يأكلان الطعام ) أي:يحتاجان إلى التغذية به ، وإلى خروجه منهما ، فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
ثم قال تعالى:( انظر كيف نبين لهم الآيات ) أي:نوضحها ونظهرها ( ثم انظر أنى يؤفكون ) أي:ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون؟ وبأي قول يتمسكون؟ وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون؟ ؟