ثم قال:( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ) أي:لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق ، ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه ، حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية ، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء ، فجعلتموه إلها من دون الله ، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخ الضلال ، الذين هم سلفكم ممن ضل قديما ( وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) أي:وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال ، إلى طريق الغواية والضلال .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال:وقد كان قائم قام عليهم ، فأخذ بالكتاب والسنة زمانا ، فأتاه الشيطان فقال:إنما تركب أثرا أو أمرا قد عمل قبلك ، فلا تجمد عليه ، ولكن ابتدع أمرا من قبل نفسك وادع إليه وأجبر الناس عليه ، ففعل ، ثم ادكر بعد فعله زمانا فأراد أن يتوب فخلع ملكه وسلطانه وأراد أن يتعبد فلبث في عبادته أياما ، فأتي فقيل له:لو أنك تبت من خطيئة عملتها فيما بينك وبين ربك عسى أن يتاب عليك ، ولكن ضل فلان وفلان وفلان في سببك حتى فارقوا الدنيا وهم على الضلالة ، فكيف لك بهداهم ، فلا توبة لك أبدا . ففيه سمعنا وفي أشباهه هذه الآية:( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) .