ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ، فقال:( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) أي:كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوا ، فقال:( لبئس ما كانوا يفعلون )
وقال الإمام أحمد رحمه الله:حدثنا يزيد ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم في مجالسهم - قال يزيد:وأحسبه قال:وأسواقهم - وواكلوهم وشاربوهم . فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال:"لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا ".
وقال أبو داود:حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا يونس بن راشد ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول:يا هذا ، اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك . ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال:( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) إلى قوله:( فاسقون ) ثم قال:"كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا - أو تقصرنه على الحق قصرا ".
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة به ، وقال الترمذي:"حسن غريب ". ثم رواه هو وابن ماجه ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة مرسلا .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج وهارون بن إسحاق الهمداني قالا حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه - وفي حديث هارون:وشريبه ، ثم اتفقا في المتن - فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب قلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد المسيء ، ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، أو ليلعنكم كما لعنهم "، والسياق لأبي سعيد . كذا قال في رواية هذا الحديث .
وقد رواه أبو داود أيضا ، عن خلف بن هشام ، عن أبي شهاب الخياط ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم - وهو ابن عجلان الأفطس - ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . ثم قال أبو داود:وكذا رواه خالد ، عن العلاء ، عن عمرو بن مرة به . ورواه المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي:وقد رواه خالد بن عبد الله الواسطي ، عن العلاء عن عمرو بن مرة ، عن أبي موسى
والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام . [ و] قد تقدم حديث جرير عند قوله [ تعالى] ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ المائدة:63] ، وسيأتي عند قوله:( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ المائدة:105] ، حديث أبي بكر الصديق وأبي ثعلبة الخشني [ رضي الله عنهما] - فقال الإمام أحمد:
حدثنا سليمان الهاشمي أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم ".
ورواه الترمذي ، عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر به . وقال:هذا حديث حسن
وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن عثمان ، عن عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة ، عن عائشة قالت:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم ". تفرد به ، وعاصم هذا مجهول .
وفي الصحيح من طريق الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، عن سعيد - وعن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد الخدري - قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان "رواه مسلم .
وقال الإمام أحمد:حدثنا ابن نمير ، حدثنا سيف - هو ابن أبي سليمان سمعت عدي بن عدي الكندي يحدث عن مجاهد قال:حدثني مولى لنا أنه سمع جدي - يعني:عدي بن عميرة رضي الله عنه - يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه . فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة ".
ثم رواه أحمد ، عن أحمد بن الحجاج ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، عن عدي بن عدي الكندي حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره . هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين .
وقال أبو داود:حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا مغيرة بن زياد الموصلي ، عن عدي بن عدي ، عن العرس - يعني ابن عميرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة:فأنكرها - كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها . "
تفرد به أبو داود ثم رواه عن أحمد بن يونس ، عن أبي شهاب ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي مرسلا .
[ و] قال أبو داود:حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا حدثنا شعبة - وهذا لفظه - عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال:أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم - وقال سليمان:حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال:"لن يهلك الناس حتى يعذروا - أو:يعذروا - من أنفسهم ".
وقال ابن ماجه:حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا ، فكان فيما قال:"ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه ". قال:فبكى أبو سعيد وقال:قد - والله - رأينا أشياء ، فهبنا .
وفي حديث إسرائيل:عن محمد بن حجادة ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ".
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي:حسن غريب من هذا الوجه .
وقال ابن ماجه:حدثنا راشد بن سعيد الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال:عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال:يا رسول الله ، أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه . فلما رمى الجمرة الثانية سأله ، فسكت عنه . فلما رمى جمرة العقبة ، ووضع رجله في الغرز ليركب ، قال:"أين السائل؟ "قال:أنا يا رسول الله ، قال:"كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر ". تفرد به .
وقال ابن ماجه:حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحقر أحدكم نفسه ". قالوا:يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ . قال:"يرى أمرا لله فيه مقال ، ثم لا يقول فيه . فيقول الله له يوم القيامة:ما منعك أن تقول في كذا وكذا وكذا؟ فيقول:خشية الناس ، فيقول:فإياي كنت أحق أن تخشى ". تفرد به .
وقال أيضا:حدثنا علي بن محمد ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة ، حدثنا نهار العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول:ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال:يا رب ، رجوتك وفرقت من الناس ". تفرد به أيضا ابن ماجه وإسناده لا بأس به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا عمرو بن عاصم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن جندب ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه ". قيل:وكيف يذل نفسه؟ قال:"يتعرض من البلاء لما لا يطيق ".
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا ، عن محمد بن بشار ، عن عمرو بن عاصم به . وقال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح غريب .
وقال ابن ماجه:حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ، حدثنا الهيثم بن حميد ، حدثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرعيني ، عن مكحول عن أنس بن مالك قال:قيل:يا رسول الله ، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال:"إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم ". قلنا:يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال:"الملك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رذالكم ". قال زيد:تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:""والعلم في رذالكم ":إذا كان العلم في الفساق .
تفرد به ابن ماجه وسيأتي في حديث أبي ثعلبة عند قوله:( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ المائدة:105] شاهد لهذا ، إن شاء الله تعالى وبه الثقة .