(قال موسى) ، لهم:، (أتقولون للحق لما جاءكم) ، من عند الله، (أسحر هذا) ؟ .
* * *
واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله:(أسحر هذا) ؟ فقال بعض نحويي البصرة:أدخلت فيه على الحكاية لقولهم ، لأنهم قالوا:(أسحر هذا)؟ فقال:أتقولون:(أسحر هذا)؟
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة:إنهم قالوا:"هذا سحر "، ولم يقولوه بالألف، لأن أكثر ما جاء بغير ألف. قال:فيقال:فلم أدخلت الألف؟ فيقال:قد يجوز أن تكون من قِيلهم وهم يعلمون أنه سحر، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته:أحقٌّ هذا؟ وقد علم أنه حق. قال:وقد يجوز أن تكون على التعجّب منهم:أسحر هذا؟ ما أعظمه! (33)
* * *
قال أبو جعفر:وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المفعولُ محذوفًا، ويكون قوله:(أسحر هذا)، من قيل موسى ، منكرًا على فرعون وملئه قولَهم للحق لما جاءهم:"سحر "، فيكون تأويل الكلام حينئذ:قال موسى لهم:(أتقولون للحق لما جاءكم)،وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه،سحرٌ، أسحرٌ هذا الحقّ الذي ترونه؟ فيكون "السحر "الأوّل محذوفًا ، اكتفاءً بدلالة قول موسى (أسحر هذا) ، على أنه مرادٌ في الكلام، كما قال ذو الرمة.
فَلَمَّـا لَبِسْـنَ اللَّيْـلَ , أَوْ حِينَ نَصَّبَت
لَـهُ مِـنْ خَـدَا آذَانِهَـا وَهْـوَ جَـانِحُ (34)
يريد:أو حين أقبل، ثم حذف اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، وكما قال جل ثناؤه:فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ[سورة الإسراء:7] ، والمعنى:بعثناهملِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ،فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه، في أشباه لما ذكرنا كثيرة ، يُتْعب إحصاؤها.
* * *
وقوله:(ولا يفلح الساحرون) ، يقول:ولا ينجح الساحرون ولا يَبْقون. (35)
----------------------
الهوامش:
(33) انظر معاني القرآن للفراء 1:474 .
(34) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 1:327 ، تعليق:2 .
(35) انظر تفسير "الفلاح "فيما سلف ص:146 ، تعليق:3 ، والمراجع هناك .