القول في تأويل قوله تعالى:قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:قال فرعون وملؤه لموسى:(أجئتنا لتلفتنا) ، يقول:لتصرفنا وتلوينا، (عمّا وجدنا عليه آباءنا) ، من قبل مجيئك ، من الدين.
* * *
،يقال منه:"لفت فلانٌ [ عنق فلان "إذا لواها، كما قال رؤبة]:(36)
*لَفْتًا وَتْهِزِيعًا سَواءَ اللَّفْتِ* (37)
"التهزيع ":الدق، و "اللفت "، اللّي، كما:-
17765- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(لتلفتنا) ، قال:لتلوينا عما وجدنا عليه آباءنا.
* * *
وقوله:(وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، يعني العظمة، وهي "الفعلياء "من "الكبر ". ومنه قول ابن الرِّقاع:
سُــؤْدَدًا غَــيْرَ فَــاحِش لا يُــدَا
نِيـــهِ تِجِبَّـــارَةٌ وَلا كِبْرِيـــاءُ (38)
* * *
17766- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وتكون لكما الكبرياء في الأرض)، قال:الملك.
17767-. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد:(وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال:السلطان في الأرض.
17768-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال:بلغني، عن مجاهد قال:الملك في الأرض.
17769-. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك:(وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال:الطاعة.
17770- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وتكون لكما الكبرياء في الأرض) قال:الملك.
17771-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17772- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
17773- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد قال:السلطان في الأرض.
* * *
قال أبو جعفر:وهذه الأقوال كلها متقارباتُ المعاني، وذلك أن الملك سلطان، والطاعة ملك، غير أن معنى "الكبرياء "، هو ما ثبت في كلام العرب، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك.
* * *
وقوله:(وما نحن لكما بمؤمنين) ، يقول:"وما نحن لكما "يا موسى وهارون "بمؤمنين "، يعني بمقرِّين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.
------------------------
الهوامش:
(36) كان في المخطوطة والمطبوعة:"كما قال ذو الرمة "، وهو خطأ لا شك فيه ، صوابه ما أثبت ، كما دل عليه مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:280 ، وأنا أرجح أن ذلك من الناسخ ، لا من أبي جعفر ، لأنه نقل عن أبي عبيدة . وانظر مثل هذا فيما سلف ص:150 ، تعليق:1:فوضعت الصواب بين القوسين .
(37) ديوانه 24 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:280 ، اللسان ( هزع ) ، من رجز ذكر فيه نفسه ، يقول قبله ، مشبها نفسه بالأسد:
فَــإنْ تَــرَيْنِي أَحْــتَمِي بِالسَّـكْتِ
فَقَـــدْ أَقُــومُ بِالْمَقَــامِ الثَّبْــتِ
أشْــجَعَ مِــنْ ذي لِبَــدٍ بِخَــبْتِ
يَــدُقُّ صُلْبــاتِ العِظَــامِ رَفْتِـي
و "الرفت "، الدق والكسر . وقوله "سواء اللفت "، أي "سوى اللفت ""سواء "( بفتح السين ) و "سوى "( بكسر السين ) ، بمعنى:غير .
(38) لم أجد البيت في مكان آخر ، وكان في المطبوعة:"تجباره "، ومثله في المخطوطة ، أما ضبطه فقد شغلني ، لأن أصحاب اللغة لم يذكروا في مصادر "الجبروت "سوى "التجبار "( بفتح فسكون ) بمعنى الكبر . فكأن قارئه يقرؤه كما في المطبوعة والمخطوطة "تجباره "( بفتح فسكون ) ، مضافا إلى الهاء . وظني أن الضبط الذي ذهبت إليه أجود ، وإن لم يذكروه في المصادر في كتب اللغة التي بين أيدينا . ومصدر "تِفِعَّال "( بكسر التاء والفاء وتشديد العين ) ، هو قياس التصدير في "تَفَعَّل "لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء منها الشافية 1:166 ) ، نحو "تِمِلَّاق "ودخول التاء في مثله في المصادر جائز في العربية . وبالضبط الذي ضبطته يستقيم وزن الشعر ، فأخشى أن يكون هذا المصدر على هذا الميزان ، مما أغفلته كتب اللغة .