وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى:{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة} قَالَ أَبُو جَعْفَر:قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى إقَامَة الصَّلَاة وَأَنَّهَا أَدَاؤُهَا بِحُدُودِهَا وَفُرُوضهَا , وَعَلَى تَأْوِيل الصَّلَاة وَمَا أَصْلهَا , وَعَلَى مَعْنَى إيتَاء الزَّكَاة وَأَنَّهُ إعْطَاؤُهَا بِطِيبِ نَفْس عَلَى مَا فُرِضَتْ وَوَجَبَتْ , وَعَلَى مَعْنَى الزَّكَاة وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا , وَالشَّوَاهِد الدَّالَّة عَلَى صِحَّة الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ
وَأَمَّا قَوْله:{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه} فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ:وَمَهْمَا تَعْمَلُوا مِنْ عَمَل صَالِح فِي أَيَّام حَيَاتكُمْ فَتُقَدِّمُوهُ قَبْل وَفَاتكُمْ ذُخْرًا لِأَنْفُسِكُمْ فِي مُعَادكُمْ , تَجِدُوا ثَوَابه عِنْد رَبّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَيُجَازِيكُمْ بِهِ . وَالْخَيْر:هُوَ الْعَمَل الَّذِي يَرْضَاهُ اللَّه . وَإِنَّمَا قَالَ:{ تَجِدُوهُ} وَالْمَعْنَى:تَجِدُوا ثَوَابه . كَمَا:1491 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن . قَالَ:ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله:{ تَجِدُوهُ} يَعْنِي:تَجِدُوا ثَوَابه عِنْد اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر:لِاسْتِغْنَاءِ سَامِعِي ذَلِكَ بِدَلِيلِ ظَاهِر عَلَى مَعْنَى الْمُرَاد مِنْهُ , كَمَا قَالَ عُمَر بْن لَجَأ:وَسَبَّحَتْ الْمَدِينَة لَا تَلُمْهَا رَأَتْ قَمَرًا بِسُوقِهِمْ نَهَارَا وَإِنَّمَا أَرَادَ:وَسَبَّحَ أَهْل الْمَدِينَة . وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ جَلّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ إقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَتَقْدِيم الْخَيْرَات لِأَنْفُسِهِمْ , لِيَطْهُرُوا بِذَلِكَ مِنْ الْخَطَأ الَّذِي سَلَف مِنْهُمْ فِي اسْتِنْصَاحهمْ الْيَهُود , وَرُكُون مَنْ كَانَ رَكَنَ مِنْهُمْ إلَيْهِمْ , وَجَفَاء مَنْ كَانَ جَفَا مِنْهُمْ فِي خِطَابه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:{ رَاعِنَا} إذْ كَانَتْ إقَامَة الصَّلَوَات كَفَّارَة لِلذُّنُوبِ , وَإِيتَاء الزَّكَاة تَطْهِيرًا لِلنَّفُوسِ وَالْأَبْدَان مِنْ أَدْنَاس الْآثَام , وَفِي تَقْدِيم الْخَيْرَات إدْرَاك الْفَوْز بِرِضْوَانِ اللَّه .
إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى:{ إنَّ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ لِلَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ مَهْمَا فَعَلُوا مِنْ خَيْر وَشَرّ سِرًّا وَعَلَانِيَة , فَهُوَ بِهِ بَصِير لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء , فَيَجْزِيهِمْ بِالْإِحْسَانِ جَزَاءَهُ وَبِالْإِسَاءَةِ مِثْلهَا . وَهَذَا الْكَلَام وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَج الْخَبَر , فَإِنَّ فِيهِ وَعْدًا وَوَعِيدًا , وَأَمْرًا وَزَجْرًا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ أَعْلَم الْقَوْم أَنَّهُ بَصِير بِجَمِيعِ أَعْمَالهمْ لِيَجِدُوا فِي طَاعَته , إذْ كَانَ ذَلِكَ مَذْخُورًا لَهُمْ عِنْده حَتَّى يُثِيبهُمْ عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ:{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه} وَلْيَحْذَرُوا مَعْصِيَته , إذْ كَانَ مُطَلِّعًا عَلَى رَاكِبهَا بَعْد تَقَدُّمه إلَيْهِ فِيهَا بِالْوَعِيدِ عَلَيْهَا . وَمَا أَوْعَدَ عَلَيْهِ رَبّنَا جَلّ ثَنَاؤُهُ فَمَنْهِيّ عَنْهُ , وَمَا وَعَدَ عَلَيْهِ فَمَأْمُور بِهِ . وَأَمَّا قَوْله:{ بَصِير} فَإِنَّهُ مُبْصِر صُرِفَ إلَى بَصِير , كَمَا صُرِفَ مُبْدِع إلَى بَدِيع , وَمُؤْلِم إلَى أَلِيم .