يقول تعالى ذكره:لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ، (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ) فيوم صلة من يحزنهم. واختلف أهل التأويل في معنى السجلّ الذي ذكره الله في هذا الموضع فقال بعضهم:هو اسم ملك من الملائكة.
ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال:ثنا ابن يمان ، قال:ثنا أبو الوفاء الأشجعيّ ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، في قوله ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) قال:السجِلّ:مَلَك ، فإذا صعد بالاستغفار قال:اكتبها نورا.
حدثنا ابن بشار ، قال:ثنا مؤمل ، قال:ثنا سفيان ، قال:سمع السديّ يقول ، في قوله ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ ) قال:السجلّ:ملك.
وقال آخرون:السجلّ:رجل كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:حدثنا نصر بن علي ، قال:ثنا نوح بن قيس ، قال:ثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في هذه الآية ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) قال:كان ابن عباس يقول:هو الرجل.
قال:ثنا نوح بن قيس ، قال:ثنا يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال:السجل:كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون:بل هو الصحيفة التي يكتب فيها.
ذكر من قال ذلك:حدثني علي ، قال:ثنا عبد الله ، قال:ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( كطي السجل للكتاب ) يقول:كطي الصحيفة على الكتاب.
حدثني محمد بن سعد ، قال:ثني أبي ، قالا ثني عمي ، قال:ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) يقول:كطيّ الصحف.
حدثني محمد بن عمرو ، قال:ثنا أبو عاصم ، قال:ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال:ثنا الحسن ، قال:ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال:السِّجلّ:الصحيفة.
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) قال:السجل:الصحيفة.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال:السجل في هذا الموضع الصحيفة ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجلّ ، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه.
فإن قال قائل:وكيف نطوي الصحيفة بالكتاب إن كان السجل صحيفة؟ قيل:ليس المعنى كذلك ، وإنما معناه:يوم نطوي السماء كطيّ السجل على ما فيه من الكتاب ، ثم جعل نطوي مصدرا ، فقيل ( كطي السجل للكتاب ) واللام في قوله للكتاب بمعنى على.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ، سوى أبي جعفر القارئ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ ) بالنون ، وقرأ ذلك أبو جعفر ( يَوْم تُطْوَى السَّماءُ ) بالتاء وضمها ، على وجه ما لم يُسمّ فاعله.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، بالنون ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما السِّجلّ فإنه في قراءة جميعهم بتشديد اللام ، وأما الكتاب ، فإن قرّاء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة قرءوه بالتوحيد، كطي السجل للكتاب، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( للْكُتُبِ ) على الجماع.
وأولى القراءتين عندنا في ذلك بالصواب:قراءة من قرأه على التوحيد للكتاب ، لما ذكرنا من معناه ، فإن المراد منه:كطيّ السجلّ على ما فيه مكتوب ، فلا وجه إذ كان ذلك معناه لجميع الكتب إلا وجه نتبعه من معروف كلام العرب ، وعند قوله ( كَطَيِّ السِّجِلِّ ) انقضاء الخبر عن صلة قولهلا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ، ثم ابتدأ الخبر عما الله فاعل بخلقه يومئذ فقال تعالى ذكره ( كما بدأنا أول خلق نعيده ).
فالكاف التي في قوله (كَما) من صلة نعيد ، تقدّمت قبلها ، ومعنى الكلام:نعيد الخلق عُراة حفاة غُرْلا يوم القيامة ، كما بدأناهم أوّل مرّة في حال خلقناهم في بطون أمَّهاتهم ، على اختلاف من أهل التأويل في تأويل ذلك.
وبالذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل ، وبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك اخترت القول به على غيره.
ذكر من قال ذلك والأثر الذي جاء فيه:حدثني محمد بن عمرو ، قال:ثنا أبو عاصم ، قال:ثنا عيسى -وحدثني الحارث ، قال:ثنا الحسن ، قال:ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) قال:حُفاة عُراة غُرْلا.
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله ( أول خلق نعيده ) قال:حفاة غلفا ، قال ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة ، أنه سمع مجاهدا يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحدى نسائه:"يَأْتُونَهُ حُفاةً عُرَاةً غُلْفا، فاسْتَتَرتْ بِكُمِّ دِرْعِها ، وقالَتْ وَا سَوأتاهُ"قال ابن جريج:أخبرت أنها عائشة قالت:يا نبيّ الله ، لا يحتشمُ الناس بعضهم بعضا؟ قال:"لكُلّ امْرئٍ يَوْمَئذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه ".
حدثنا ابن بشار ، قال:ثنا يحيى بن سعيد ، قال:ثنا سفيان ، قال:ثني المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"يُحْشَرُ النَّاسُ حُفاةً عُرَاةً غُرْلا فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهيمُ"ثم قرأ ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) .
حدثنا ابن بشار ، قال:ثنا إسحاق بن يوسف ، قال:ثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال:"وقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فذكره نحوه ".
حدثنا محمد بن المثنى ، قال:ثنا محمد بن جعفر ، قال:ثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان النخَعيّ ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال:"قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره نحوه ".
حدثنا أبو كريب ، قال:ثنا وكيع ، عن شعبة ، قال:ثنا المغيرة بن النعمان النخَعيّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن أبن عباس ، نحوه.
حدثنا عيسى بن يوسف بن الطباع أبو يحيى ، قال:ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال:سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب فقال:"إنكم مُلاقُو اللهِ مُشاةً غُرْلا ".
حدثنا أبو كريب ، قال:ثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عائشة ، قالت:"دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر ، فقال:مَنْ هَذه العَجُوزُ يا عائِشةُ؟ فقلت:إحدى خالاتي ، فقالت:ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال:إنّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُها العَجَزةُ ، قالت:فأخذَ العجوز ما أخذها ، فقال:إنّ اللهَ يُنْشِئُهُنَّ خَلْقا غيرَ خَلْقِهِنَّ، ثم قال:يُحْشَرُونَ حُفاةً عُرَاةً غُلْفا ، فقالت:حاش لله من ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:بَلى إنّ الله قال:( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا ) ... إلى آخر الآية ، فأوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الله ".
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال:ثنا عبيد الله ، قال:ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عطاء ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال:يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة ، كما خلقوا أول يوم.
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثني عباد بن العوام ، عن هلال بن حبان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يحشر الناس يوم القيامة حُفاة عراة مشاة غرلا قلت:يا أبا عبد الله ما الغرل؟ قال:الغلف ، فقال بعض أزواجه:يا رسول الله ، أينظر بعضنا إلى بعض إلى عورته؟ فقال لِكُلّ امْرئٍ يَوْمَئذٍ ما يَشْغَلُهُ عَن النَّظَر إلى عَوْرَة أَخِيهِ"، قال هلال:قال سعيد بن جبيروَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍقال:كيوم ولدته أمه ، يردّ عليه كل شيء انتقص منه مثل يوم وُلد.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:كما كنا ولا شيء غيرنا قبل أن نخلق شيئا ، كذلك نهلك الأشياء فنعيدها فانية ، حتى لا يكون شيء سوانا.
ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد ، قال:ثني أبي ، قال:ثني عمي ، قال:ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) . . . الآية ، قال:نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وقوله ( وَعْدًا عَلَيْنَا ) يقول:وعدناكم ذلك وعدا حقا علينا أن نوفي بما وعدنا ، إنا كنا فاعلي ما وعدناكم من ذلك أيها الناس ، لأنه قد سبق في حكمنا وقضائنا أن نفعله ، على يقين بأن ذلك كائن ، واستعدوا وتأهبوا.