القول في تأويل قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
قال أبو جعفر:يعني بذلك جل ثناؤه:يا معشر من صدّق الله ورسوله ="اتقوا الله "، خافوا الله ورَاقبوه بطاعته واجتناب معاصيه ="حقّ تُقاته "، حقّ خوفه، (12) وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُشكر فلا يكفر، ويُذكر فلا يُنسى = "ولا تموتن "، أيها المؤمنون بالله ورسوله ="إلا وأنتم مسلمون "لربكم، مذعنون له بالطاعة. مخلصون له الألوهةَ والعبادة. (13)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
7536- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري = عن زبيد، عن مُرّة، عن عبد الله:"اتقوا الله حق تقاته "، قال:أن يطاع فلا يُعصي، ويُذكر فلا يُنسى، ويشكر فلا يُكفر. (14)
7537- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن زبيد، عن مرة الهمداني، عن عبد الله مثله.
7538- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن زبيد، عن مرة الهمداني، عن عبد الله مثله.
7539- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثًا، عن زبيد، عن مرة بن شراحيل البَكيليّ، عن عبد الله بن مسعود، مثله. (15)
7540- حدثني المثني قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا جرير، عن زبيد، عن عبد الله، مثله.
&; 7-66 &;
7541- حدثني المثني قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا مسعر، عن زبيد، عن مرة ، عن عبد الله، مثله.
7542- حدثني المثني قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن المسعودي، عن زبيد الأيامي، عن مرة ، عن عبد الله، مثله.
7543- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، مثله.
7544- حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون:"اتقوا الله حق تقاته "، قال:أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى. (16)
7545- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو ابن ميمون، نحوه.
7546- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا عمرو بن مرة، عن مرة، عن الربيع بن خُثَيم قال:أن يطاع فلا يعصى، ويُشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
7547- حدثنا المثني قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال، سمعت مرة الهمداني يحدث، عن الربيع بن خُثيم في قول الله عز وجل:"اتقوا الله حق تقاته "، فذكره نحوه. (17)
7548- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن &; 7-67 &; قيس بن سعد، عن طاوس:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته "، أن يطاع فلا يُعصى.
7549- حدثنا محمد بن سنان قال:حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته "، قال:"حق تقاته "، أن يطاع فلا يُعصى.
7550- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:ثم تقدم إليهم -يعني إلى المؤمنين من الأنصار-. فقال:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، أما "حق تقاته "، يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا يُنسى، ويشكر فلا يُكفر.
7551- حدثني المثني قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا همام، عن قتادة:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته "، أن يطاع فلا يعصى، قال:"ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ".
* * *
وقال آخرون:بل تأويل ذلك، كما:-
7552- حدثني به المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"اتقوا الله حق تقاته "، قال:"حق تقاته "، أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومةُ لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. (18)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الآية:هل هي منسوخة أم لا؟
فقال بعضهم:هي محكمة غيرُ منسوخة.
*ذكر من قال ذلك:
7553- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله:"اتقوا الله حق تقاته "أنها لم تنسخ، ولكن "حق تقاته "، أن تجاهدَ في الله حق جهاده = ثم ذكر تأويله الذي ذكرناه عنه آنفًا. (19)
7554- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن طاوس:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته "، فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
7555- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال طاوس قوله:"ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، يقول:إن لم تتقوه فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
* * *
وقال آخرون:هي منسوخة، نسخها قوله:فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[سورة التغابن:16].
*ذكر من قال ذلك:
7556- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، ثم أنـزل التخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال:فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فجاءت هذه الآية، فيها تخفيفٌ وعافيةٌ ويُسر.
7557- حدثني المثني قال، حدثنا الحجاج بن المنهال الأنماطي قال، &; 7-69 &; حدثنا همام، عن قتادة:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، قال:نسختها هذه الآية التي في"التغابن ":فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وعليها بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
7558- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال:لما نـزلت:"اتقوا الله حق تقاته "، ثم نـزل بعدها:فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فنسخت هذه الآية التي في"آل عمران ".
7559- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، فلم يطق الناسُ هذا، فنسخه الله عنهم ، فقال:فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
7560- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته "، قال:جاء أمر شديد! قالوا:ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف أنه قد اشتد ذلك عليهم، نسخها عنهم، وجاء بهذه الأخرى فقال:فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْفنسخها. (20)
* * *
وأما قوله:"ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، فإن تأويله كما:-
7561- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد، عن طاوس:"ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، قال:على الإسلام، وعلى حُرْمة الإسلام. (21)
--------------------
الهوامش:
(12) انظر القول في بيان"تقاة"فيما سلف 6:313 - 317.
(13) في المطبوعة:"الألوهية"، وهي صواب ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهي صواب أيضا بمعناها ، ولكن هكذا يكتبها أبو جعفر ، وانظر ما سلف 6:275 ، تعليق:2.
(14) الأثر:7537- والآثار التي تليه أسانيد مختلفة لهذا الأثر. وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي نعيم ، عن مسعر ، وهو الأثر رقم:7541 ، وليس فيه"ويشكر فلا يكفر"، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
(15) الأثر:7539- في المطبوعة:"مرة بن شراحيل الهمداني". غير ما في المخطوطة ، وكلاهما صحيح وصواب ، وانظر الأثر رقم:2521 ، والتعليق عليه.
(16) الأثر:7544-"يحيى"هو:"يحيى بن أبي بكير الأسدي"مضى في رقم:5797 ، "وسفيان"هو الثوري ، و"أبو إسحاق"هو:أبو إسحاق السبيعي ، وكان في المخطوطة والمطبوعة:"حدثنا يحيى بن سفيان"، وليس في الرواة من يسمى بهذا ، والصواب ما أثبته.
(17) الأثران:7546 ، 7547 -"الربيع بن خثيم الثوري"مضت ترجمته في رقم:1430 ، وكان في المطبوعة"بن خيثم"، وهو خطأ مضى مثله في الأثر الآخر ، وفي مواضع غيره ، وصححته من المخطوطة.
(18) الأثر:7552- رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ:88 ، مع بعض الخلاف في لفظه. وفي المخطوطة:"أن تجاهد في الله"بالإفراد ، والسياق يقتضي الجمع ، وجاءت على الصواب في المطبوعة وفي الناسخ والمنسوخ ، إلا أنه قال:"أن تجاهدوا ... ولا يأخذكم ... وتقوموا ... ولو على أنفسكم وآبائكم وأبنائكم"على الخطاب.
(19) الأثر:7553- هو الأثر السالف ، وفي المخطوطة والمطبوعة:"أن تجاهد"، وانظر التعليق السالف.
(20) ترك أبو جعفر رضي الله عنه ، ترجيح أحد القولين على الآخر ، وكان حقًا عليه أن يبينه. وقد بينه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ:88 ، 89 ، قال بعد سياقه الأثر:7542 ، وروايته عن قول قتادة:"قال أبو جعفر:محال أن يقال هذا ناسخ ولا منسوخ إلا على حيلة ، وذلك أن معنى نسخ الشيء:إزالته والمجيء بضده ، فمحال أن يقال:"اتقوا لله"منسوخ ، ولا سيما مع قول النبي صلى الله عليه وسلم مما فيه بيان الآية ، كما قرأ على أحمد بن محمد بن الحجاج ، عن يحيى بن سليمان قال ، حدثنا أبو الأحوص قال ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن معاذ بن جبل قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ ، أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت:الله ورسوله أعلم! قال:أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا"، أفلا ترى أنه محال أن يقع في هذا نسخ ... قال أبو جعفر:"فكل ما ذكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ، ولا يقع فيه نسخ ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا"وكذا على المسلمين - كما قال ابن مسعود:"أن تطيعوا الله فلا تعصوه ، وتذكروه فلا تنسوه ، وأن تشكروه فلا تكفروه ، وأن تجاهدوا فيه حق جهاده. وأما قول قتادة ، مع محله من العلم:أنها نسخت ، فيجوز أن يكون معناه:نزلت:فاتقوا الله ما استطعتم - بنسخه:اتقوا الله حق تقاته ، وأنها مثلها ، لأنه لا يكلف أحدًا إلا طاقته".
(21) انظر تفسير أبي جعفر في نظيرة هذه الآية فيما سلف 3:96 ، 97.