القول في تأويل قوله:مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ
قال أبو جعفر:وهذا [خَبَرٌ] من الله تعالى ذكره، (19) احتجاجًا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم على فِرَق النصارى في قولهم في المسيح.
يقول= مكذِّبًا لليعقوبية في قِيلهم:"هو الله "والآخرين في قيلهم:"هو ابن الله "=:ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنه ابن مريم ولدته ولادةَ الأمهات أبناءَهن، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنما هو لله رسولٌ كسائر رسله الذين كانوا قبلَه فمضوا وخَلَوْا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعِبر، حجةً له على صدقه، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعِبر، حجةً لهم على حقيقةِ صدقهم في أنهم لله رسلٌ (20) ="وأمه صِدّيقة "، يقول تعالى ذكره وأمّ المسيح صِدِّيقةٌ.
* * *
و "الصِدِّيقة ""الفِعِّيلة "، من "الصدق "، وكذلك قولهم:"فلان صِدِّيق "،"فِعِّيل "من "الصدق "، ومنه قوله تعالى ذكره:وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ. [سورة النساء:69]. (21)
وقد قيل إن "أبا بكر الصدّيق "رضي الله عنه إنما قيل له:"الصّدّيق "لصدقه.
وقد قيل:إنما سمي"صديقًا "، لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره في ليلة واحدةٍ إلى بيت المقدس من مكة، وعودِه إليها.
* * *
وقوله:"كانا يأكلان الطعام "، خبٌر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمّه:أنهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يَغْذُوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم، فإنّ من كان كذلك، فغيرُ كائنٍ إلهًا، لأن المحتاج إلى الغذاء قِوَامه بغيره. وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه، دليلٌ واضحٌ على عجزه. والعاجز لا يكون إلا مربوبًا لا ربًّا.
* * *
القول في تأويل قوله:انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:انظر يا محمد، كيف نبين لهؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى="الآيات "، وهي الأدلَّةُ، والأعلام والحُجج على بُطُول ما يقولون في أنبياء الله، (22) وفي فريتهم على الله، وادِّعائهم له ولدًا، وشهادتهم لبعض خلقه بأنه لهم ربٌّ وإله، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قِيلهم، ولا ينـزجرون عن فريتهم على ربِّهم وعظيم جهلهم، مع ورود الحجج القاطعة عذرَهم عليهم. يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه &; 10-486 &; وسلم:"ثم انظر "، يا محمد="أنَّى يؤفكون "، يقول:ثم انظر، مع تبييننا لهم آياتنا على بُطول قولهم، أيَّ وجه يُصرَفون عن بياننا الذي نبيِّنه لهم؟ (23) وكيف عن الهدى الذي نهديهم إليه من الحق يضلُّون؟
* * *
والعرب تقول لكل مصروف عن شيء:"هو مأفوك عنه ". يقال:"قد أفَكت فلانًا عن كذا "، أي:صرفته عنه،"فأنا آفِكه أفْكًا، وهو مأفوك ". و "قد أُفِكت الأرض "، إذا صرف عنها المطر. (24)
-------------
الهوامش:
(19) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.
(20) انظر تفسير"المسيح"فيما سلف ص:480 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك.
(21) انظر تفسير"الصديق"فيما سلف 8:530- 532.
(22) انظر تفسير"الآيات"فيما سلف (أيي).
(23) المطبوعة:"بينته لهم"، والصواب من المخطوطة ، وهي غير منقوطة.
(24) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:174 ، 175.