ثم ذكر- سبحانه- مكيدة أخرى من مكايد المشركين، وهي محاولتهم إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده، لكي يعكفوا على عبادة آلهتهم الباطلة دون أن ينهاهم عن ذلك أحد، فقال- تعالى-:وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها....
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه:قيل نزلت في اليهود إذ أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام، بلاد الأنبياء وترك سكنى المدينة وهذا القول ضعيف لأن هذه الآية مكية وسكنى المدينة كان بعد ذلك ...
ثم قال:وقيل نزلت في كفار قريش، حين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فتوعدهم الله- تعالى- بهذه الآية:وأنهم لو أخرجوه لما لبثوا بعده بمكة إلا زمنا يسيرا ....
وما ذهب إليه ابن كثير- رحمه الله- من أن الآية مكية، هو الذي تسكن إليه النفس.
فيكون المعنى:وَإِنْ كادُوا أى:كفار مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ أى:
ليزعجونك ويحملونك على الخروج من الأرض التي على ترابها ولدت وفيها نشأت، وهي أرض مكة.
وقوله:وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا بيان لسوء مصيرهم إذا ما أخرجوه صلى الله عليه وسلم من مكة.
أى:ولو أنهم استفزوك وأجبروك على الخروج إجبارا، لما لبثوا خِلافَكَ أى:بعد خروجك إلا زمنا قليلا، ثم يصيبهم ما يصيبهم من الهلاك والنقم.
ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة مهاجرا بأمر ربه إلا أنه- سبحانه- قد مكن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مشركي مكة في غزوة بدر، فقتلوا منهم سبعين، وأسروا نحو ذلك، وكانت المدة بين هجرته صلى الله عليه وسلم وبين غزوة بدر تقل عن سنتين.
وهكذا حقق الله- تعالى- وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل وعيده بأعدائه.