ثم بين- سبحانه- بعد ذلك جانبا من نعمه على سليمان بن داود فقال:وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها.
وقوله:وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ معطوف على معمول «سخرنا» في قوله- تعالى- قبل ذلك:وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ و «عاصفة» حال من الريح.
أى:وسخرنا لسليمان الريح حال كونها عاصفة أى:شديدة الهبوب، كما سخرنا مع أبيه الجبال يسبحن والطير.
يقال:عصفت الريح تعصف إذا اشتدت، فهي عاصف وعاصفة وعصوف سميت بذلك لتحطيمها ما تمر عليه فتجعله كالعصف وهو التبن.
وقوله- تعالى-:تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها أى:جعلناها مع قوتها وشدتها تجرى بأمر سليمان وإذنه إلى الأرض التي باركنا فيها وهي أرض الشام. وقيل:يحتمل أن يكون المراد بها ما هو أعم من أرض الشام.
ووصفت الريح هنا بأنها عاصفة، وفي آية أخرى بأنها رخاء قال- تعالى-:تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. لأنها تارة تكون عاصفة، وتارة تكون لينة رخاء. على حسب ما تقتضيه حكمته- سبحانه-.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله:«فإن قلت:وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى، فما التوفيق بينهما؟.
قلت:كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة، على ما قال:«غدوها شهر ورواحها شهر» فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء في نفسها وعاصفة في عملها، مع طاعتها لسليمان على حسب ما يريد» .
وقال- سبحانه- هنا:تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها أى تجرى بأمره إلى تلك الأرض في حال إيابه ورجوعه إليها، حيث مقر مملكته ومسكنه. فالمقصود من الآية الكريمة الإخبار عن جريانها في حال عودته إلى مملكته.
أما الآية الأخرى التي تقول:فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ أى:حيث أراد لها أن تجرى، فالمقصود منها الإخبار عن جربها بإذنه في غير حال عودته إلى مملكته، وبذلك أمكن الجمع بين الآيتين، إذ الجهة فيهما منفكة.
وقوله- تعالى-:وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ أى:وكنا بكل شيء يجرى في هذا الكون عالمين علما مطلقا لا كعلم غيرنا من خلقنا. فإنه علم محدود بما نشاؤه ونقدره.
فالجملة الكريمة بيان لإحاطة علم الله- تعالى- بكل شيء، والتنبيه بأن ما أعطاه الله- تعالى- لسليمان، إنما كان بإرادته- سبحانه- وعلمه.