أسباب النزول | المصدر |
---|---|
أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ الفَضْلِ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عِمْرانَ مُوسى بْنُ سَهْلٍ الجَوْنِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُعانُ بْنُ رِفاعَةَ السَّلامِيُّ، عَنْ أبِي عَبْدِ المَلِكِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، أنَّهُ أخْبَرَهُ عَنِ القاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ، أنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ حاطِبٍ الأنْصارِيَّ أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنِي مالًا. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”ويْحَكَ يا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِن كَثِيرٍ لا تُطِيقُهُ“ . ثُمَّ قالَ مَرَّةً أُخْرى: ”أما تَرْضى أنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ ؟ فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ شِئْتُ أنْ تَسِيلَ مَعِيَ الجِبالُ ذَهَبًا أوْ فِضَّةً لَسالَتْ“ . فَقالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيًّا لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنِي مالًا لَأُوتِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مالًا“ . فاتَّخَذَ غَنَمًا، فَنَمَتْ كَما يَنْمُو الدُّودُ، فَضاقَتْ عَلَيْهِ المَدِينَةُ، فَتَنَحّى عَنْها ونَزَلَ وادِيًا مِن أوْدِيَتِها، حَتّى جَعَلَ يُصَلِّي الظُّهْرَ والعَصْرَ في جَماعَةٍ ويَتْرُكُ ما سِواهُما، ثُمَّ نَمَتْ وكَثُرَتْ حَتّى تَرَكَ الصَّلَواتِ إلّا الجُمُعَةَ، وهي تَنْمُو كَما يَنْمُو الدُّودُ، حَتّى تَرَكَ الجُمُعَةَ، فَسَألَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ”ما فَعَلَ ثَعْلَبَةُ ؟“ . قالُوا: اتَّخَذَ غَنَمًا، وضاقَتْ عَلَيْهِ المَدِينَةُ. وأخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ، فَقالَ: ”يا ويْحَ ثَعْلَبَةَ“ . ثَلاثًا. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِم بِها﴾ [التوبة: ١٠٣] . وأنْزَلَ فَرائِضَ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلَيْنِ عَلى الصَّدَقَةِ - رَجُلًا مِن جُهَيْنَةَ ورَجُلًا مِن بَنِي سُلَيْمٍ - وكَتَبَ لَهُما كَيْفَ يَأْخُذانِ الصَّدَقَةَ، وقالَ لَهُما: ”مُرّا بِثَعْلَبَةَ وبِفُلانٍ - رَجُلٍ مِن بَنِي سُلَيْمٍ - فَخُذا صَدَقاتِهِما“ . فَخَرَجا حَتّى أتَيا ثَعْلَبَةَ فَسَألاهُ الصَّدَقَةَ، وأقْرَآهُ كِتابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ ثَعْلَبَةُ: ما هَذِهِ إلّا جِزْيَةٌ، ما هَذِهِ إلّا أُخْتُ الجِزْيَةِ، ما أدْرِي ما هَذا ؟ انْطَلِقا حَتّى تَفْرُغا ثُمَّ تَعُودا إلَيَّ. فانْطَلَقا وأخْبَرا السُّلَمِيَّ، فَنَظَرَ إلى خِيارِ أسْنانِ إبِلِهِ فَعَزَلَها لِلصَّدَقَةِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهم بِها، فَلَمّا رَأوْها قالُوا: ما يَجِبُ هَذا عَلَيْكَ، وما نُرِيدُ أنْ نَأْخُذَ هَذا مِنكَ. قالَ: بَلى خُذُوهُ؛ فَإنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وإنَّما هي إبِلِي. فَأخَذُوها مِنهُ، فَلَمّا فَرَغا مِن صَدَقَتِهِما رَجَعا حَتّى مَرّا بِثَعْلَبَةَ، فَقالَ: أرُونِي كِتابَكُما أنْظُرْ فِيهِ. فَقالَ: ما هَذِهِ إلّا أُخْتُ الجِزْيَةِ، انْطَلِقا حَتّى أرى رَأْيِي. فانْطَلَقا حَتّى أتَيا النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمّا رَآهُما قالَ: ”يا ويْحَ ثَعْلَبَةَ“ . قَبْلَ أنْ يُكَلِّمَهُما، ودَعا لِلسُّلَمِيِّ بِالبَرَكَةِ، وأخْبَرُوهُ بِالَّذِي صَنَعَ ثَعْلَبَةُ والَّذِي صَنَعَ السُّلَمِيُّ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ومِنهُم مَّنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ولَنَكُونَنَّ﴾ . إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ . وعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ مِن أقارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ فَخَرَجَ حَتّى أتى ثَعْلَبَةَ، فَقالَ: ويْحَكَ يا ثَعْلَبَةُ، قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِيكَ كَذا وكَذا. فَخَرَجَ ثَعْلَبَةُ حَتّى أتى النَّبِيَّ ﷺ فَسَألَهُ أنْ يَقْبَلَ مِنهُ صَدَقَتَهُ، فَقالَ: ”إنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَعَنِي أنْ أقْبَلَ مِنكَ صَدَقَتَكَ“ . فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرابَ عَلى رَأْسِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”هَذا عَمَلُكَ، قَدْ أمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي“ . فَلَمّا أبى أنْ يَقْبَلَ مِنهُ شَيْئًا رَجَعَ إلى مَنزِلِهِ. وقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يَقْبَلْ مِنهُ شَيْئًا، ثُمَّ أتى أبا بَكْرٍ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَقالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَنزِلَتِي مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَوْضِعِي مِنَ الأنْصارِ، فاقْبَلْ صَدَقَتِي. فَقالَ: لَمْ يَقْبَلْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأنا أقْبَلُها ؟ فَقُبِضَ أبُو بَكْرٍ وأبى أنْ يَقْبَلَها. فَلَمّا ولِيَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ أتاهُ فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْبَلْ صَدَقَتِي. فَقالَ: لَمْ يَقْبَلْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولا أبُو بَكْرٍ وأنا أقْبَلُها مِنكَ ؟ فَلَمْ يَقْبَلْها. وقُبِضَ عُمَرُ، ثُمَّ ولِيَ عُثْمانُ، فَأتاهُ فَسَألَهُ أنْ يَقْبَلَ صَدَقَتَهُ، فَقالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَقْبَلْها ولا أبُو بَكْرٍ ولا عُمَرُ وأنا أقْبَلُها مِنكَ ؟ فَلَمْ يَقْبَلْها عُثْمانُ، وهَلَكَ ثَعْلَبَةُ في خِلافَةِ عُثْمانَ.' | الاستيعاب في بيان الأسباب |