[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ قَدَّمَ هنا الزانية على الزاني؛ لأن المرأة هي من تغري الرجل وتدعوه إلى الزنا، فهي من تسهل له ذلك، وفي شأن السرقة قدم السارق على السارقة، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38]؛ وذلك لأن الرجل مكلف بمؤنة الحياة والسعي لمن هم تحته، وإن كان هذا لا يمنع أن تكون المرأة سارقة، وإنما الغالب أن الرجل هو من يسرق، فقدمه في الذكر.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ إن قلتَ: لمَ قدَّم المرأةَ في آيةِ حدِّ الزنى، وأُخّرتْ في آيةِ حدِّ السرقة؟ قلتُ: لأن الزِّنى إنما يتولد من شهوةِ الوقاع، وهي في المرأة أقوى وأكثر، والسَّرقةُ إنما تتولَّد من الجسارة، والقوَّة، والجرأة، وهي من الرجل أقوى وأكثر.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ الزنا فصلت أحكامه في سورة النور؛ فمن زنا محى الله النور من قلبه ووجهه.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ تقديم الزانية يدل على أن الزنى من المرأة أقبح، فهو عار لا يمحوه زمان.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ افتتاح حازم بالحكم ينبئ عن شناعة هذا الفعل المشين، إنه كاف في الزجر عن الزنا.
لمسة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ بدأ بالمرأة؛ لأنها الداعي الأول إلى جريمة الزنا، فلو تعففت لتعفف الرجل، ولو ضعفت واجترأت لتجرَّأ، بعكس السرقة التي فيها ذكر الرجل أولًا: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، إذ الرجل مكلَّف بالإنفاق والحصول على المال.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ قُدم ذكر الزانية على الزاني للاهتمام بالحكم؛ لأن المرأة هي الباعث على زنى الرجل، وبمساعفتها الرجل يحصل الزنى، ولو منعت المرأة نفسها ما وجد الرجل إلى الزنى تمكينًا، فتقديم المرأة في الذكر لأنه أشد في تحذيرها.
وقفة
[2-4] سورة النور هي الوحيدة التى جاء بها حكم الجلد مرتين: الأولى: ﴿الزّانِيَةُ وَالزّاني فَاجلِدوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلدَةٍ﴾، والثانية: ﴿وَالَّذينَ يَرمونَ المُحصَناتِ ثُمَّ لَم يَأتوا بِأَربَعَةِ شُهَداءَ فَاجلِدوهُم ثَمانينَ جَلدَةً﴾، والمتأمل في الآيتين يجد الفرق عشرين جلدة فقط، بين الزانية والزانية وبين الذين يرمون المحصنات إفتراء؛ لبيان هول هذا القذف وعظم شأنه، وفداحة جرم من يأتيه.
وقفة
[2] ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِﱠ﴾ من المعلوم أن ألم العلاج النافع، أيسر وأخف من ألم المرض الباقي.
وقفة
[2] لو كان السجن للزاني يقوم مقام الجلد لما كان لتحديد العدد فائدة ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، فلا خيار إﻻ باﻻمتثال.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ هذا في الحقيقة من رحمة الله بعباده؛ فإن الله إنما أرسل محمدًا رحمة للعالمين، وهو سبحانه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، لكن قد تكون الرحمة المطلوبة لا تحصل إلا بنوع من ألم وشدة تلحق بعض النفوس.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ رد على كل من أبطل بعض اﻷحكام ﻷن فيها قسوة وشدة وغلظة.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ مفهومها: في غير (الحدود) لتأخذكم بالمؤمنين (رأفة).
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ الرأفة هي أرق الرحمة؛ فينبغي ألا توجد في المحاربين.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد؛ فلا يجوز ذلك.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ الزاني يفقد الاحترام والرحمة في المجتمع المسلم.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ ليس في إقامة الحدود شدة أو غلظة، بل فيها الخير الكثير؛ لأنها تردع من تسوِّل له نفسه بالعدوان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» [النسائي 4920، وحسنه الألباني].
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ﴾ إذا كان الزاني قد أمر الله بإقامة الحد عليه مع التغليظ مع أنه قد يكون قد تاب توبة صادقة ؛ كماعز والغامدية رضي الله عنهما، فكيف بمن شتم الله ورسوله؟ فمن تمام (الرحمة) بالأمة جمعاء إقامة حد الردة عليه دون رأفة في دين الله، حتى لا يسلك سبيله أحد.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِﱠ﴾ العواطف جانبًا أمام أحكام الله.
وقفة
[2] ﴿وَلا تَأخُذكُم بِهِما رَأفَةٌ في دينِ اللَّه﴾ التغاضى عن تنفيذ العقوبة قد يفتح بابًا للتساهل.
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ نهانا هنا عن (اللين)، فقه التيسير هو الوقوف عند أحكام (العليم القدير).
وقفة
[2] ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ نهى عن التهاون في إقامة العقوبات عمومًا، والفواحش خصوصًا؛ لأن مبناها على المحبة والشهوة؛ فيزين الشيطان انعطاف القلوب على أهلها، حتى يدخل كثير من الناس في الدياثة وقلة الغيرة، وربما ظن أن هذا رحمة ولين جانب، وإنما ذلك مهانة وضعف إيمان، وإعانة على الإثم والعدوان، وترك للتناهي عن الفحشاء والمنكر.
وقفة
[2] ﴿وَلا تَأخُذكُم بِهِما رَأفَةٌ في دينِ اللَّهِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَليَشهَد عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ﴾ عندما يتواجد الإيمان الصحيح يتواجد العدل ويطبق شرع الله.
وقفة
[2] كل عذاب في القرآن العظيم: فالتعذيب, إلا ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾: فالضرب.
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل: (الفاسقين)؛ لأن حضورهم لا يقع به الزجر عند الزناة بخلاف حضور المؤمنين.
وقفة
[2] ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لعل من حكمة ذلك أن أهل الإيمان لن يخوضوا في عرض من أقيم عليهما الحد.