{ فَسِيحُوا في الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر{[1370]}} ، وإذا انتقض العهد فلم جاز الإمهال ؟
فيقال:لا يبعد جواز الإمهال لما فيه من المصلحة في تدبر من أمهل في عاقبة أمره ومآل حاله ، وأن ذلك يكون داعياً إلى الإسلام ، وإنما لا يحسن الإمهال لمن يتوقع الغوث ، فأما من لا يخشى الغوث ، فلا يقبح منه الإمهال ، ودل عليه قوله:{ واعلَمُوا أَنّكُم غَيْرُ مُعجِزِي اللهِ{[1371]}} ، ومعناه:غير معجزيه ، بتمكين نبيه منهم ، ونصرته عليهم ، أو نفاذ مراد الله تعالى فيهم بما شاء ، وهو معنى قوله تعالى:{ وأَنَّ اللهَ مُخزِي الكَافِرينَ} ، فكان المقصود من التسمح بهذه المدة ، التوصل إلى هذه البغية ، وهو رجاء الإسلام .
وإذا بان السبب الذي لأجله يجوز نبذ عهود الكفار إليهم ، فقد قال ابن عباس:إن المشركين أخذوا في نقض عهودهم التي بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم ، فأمر الله تعالى نبيه فيمن كان عهده أربعة أشهر ، أن يقره إلى مضي هذه المدة ، وذلك من يوم النحر إلى عشر من شهر ربيع الآخر ، ومن كان له من العهد أكثر ، أمر أن يحط إلى ذلك ، ومن كان أقل ، أمر أن يرجع به إلى هذا القدر ، ومن لم يكن له عهد ، أمر أن يجعل له خمسين ليلة من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم ، إلا حي من بني كنانة ، كان قد بقي من عهدهم تسعة أشهر ، فأمر الله تعالى أن يتم عهدهم إلى مدتهم ، وهو معنى قوله:{ إلاّ الّذِينَ عَاهَدْتُم مِنَ المُشركينَ} .