الْآيَةُ الْأُولَى:قَوْله تَعَالَى:{ وَالضُّحَى}:
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
المسألة الْأُولَى:قَوْلُهُ:{ الضُّحَى}:
هُوَ ضَوْءُ النَّهَارِ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ ، يُقَالُ:ارْتَفَعَتْ الضُّحَى ، وَمَعْنَاهَا هُوَ الضَّوْءُ مُذَكَّرٌ ، وَتَصْغِيرُهُ ضُحَيَّا ، فَإِذَا فَتَحْت مَدَدْت ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أُعَجِّلُهَا أَقْدُحِي الضَّحَاءَ ضُحًى *** وَهِيَ تُنَاصِي ذَوَائِبَ السِّلْمِ
يَصِفُ أَنَّهُ نَامَ عَنْ إبِلٍ ، فَأَخَذَهَا ضُحًى قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الضَّحَاءُ . وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الضَّحَاءَ بَعْدَ الضُّحَى ، حَقٌّ إنَّهُ لِيَتَمَادَى إلَى نِصْفِ النَّهَارِ ، فَفِي الْحَدِيثِ:«إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ حِينَ هَاجَرَ ، وَقَدْ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَزُولُ » .
المسألة الثَّانِيَةُ:فِي سَبَبِ نُزُولِهَا:
وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُمِيَ بِالْحَجَرِ فِي إصْبَعِهِ فَدَمِيَتْ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:هَلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ . وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيت . قَالَ:فَمَكَثَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُومُ ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لَهُ:يَا مُحَمَّدُ ؛ مَا أَرَى شَيْطَانَك إلَّا قَدْ تَرَكَك ؛ فَنَزَلَتْ السُّورَةُ » .
الثَّانِي:رَوَى جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي الصَّحِيحِ قَالَ:«اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ:يَا مُحَمَّدُ ، إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُك قَدْ تَرَكَك » . وَفِي رِوَايَةٍ:مَا أَرَى صَاحِبَك إلَّا أَبْطَأَك ، فَنَزَلَتْ . وَهَذَا أَصَحُّ .
المسألة الثَّالِثَةُ:بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ"تَرْكُ الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ"وَأَدْخَلَ الْحَدِيثَ لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ الْمُحَقَّقَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ، وَإنَّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ .
المسألة الرَّابِعَةُ:الْحَدِيثُ «بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَكَى ، فَتَرَكَ الْقِيَامَ » صَحِيحٌ وَذِكْرُهُ فِيهِ:«هَلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ . وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ » . غَيْرُ صَحِيحٍ [ وَقَوْلُهُ:{ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ} أَسْقَطَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، خَرَّجَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ من طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي صَرِيحِ الصَّحِيحِ] .