قوله تعالى:{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ؛ قال الحسن: "صلاة يوم النحر ، ونَحْرُ البُدْنِ ". وقال عطاء ومجاهد: "صَلِّ الصبح بجَمْعٍ ، وانحر البُدْنَ بمِنّى ". قال أبو بكر:وهذا التأويل يتضمن معنيين ، أحدهما:إيجاب صلاة الأضحى ، والثاني:وجوب الأضحية ، وقد ذكرناه فيما سلف . وروى حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن أبيه عن عليّ{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال: "وضع اليد اليمنى على الساعد الأيسر ، ثم وضعه على صدره ". وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس:{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال: "وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة ". ورُوي عن عطاء أنه رَفْعُ اليدين في الصلاة . وقال الفرّاء: "يقال:اسْتَقْبِلِ القبلةَ بنَحْرِكَ ".
فإن قيل:يُبْطِلُ التأويلَ الأولَ حديث البراء بن عازب قال:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى إلى البَقيع ، فبدأ فصلَّى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وقال: "إِنَّ أَوّلَ نُسُكِنَا في يَوْمِنَا هذا أَنْ نَبْدَأَ بالصَّلاةِ ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا ، ومَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فإنّما هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيء "، فسمَّى صلاة العيد والنحر سُنّة ، فدلّ على أنه لم يؤمر بهما في الكتاب . قيل له:ليس كما ظننتَ ؛ لأن ما سنَّهُ الله وفرضه فجائز أن نقول:هذا سنّتنا ، وهذا فَرْضُنا ، كما نقول هذا ديننا وإن كان الله فرضه علينا ، وتأويل من تأوله على حقيقة نَحْرِ البُدْنِ أوْلى ؛ لأنه حقيقة اللفظ ، ولأنه لا يعقل بإطلاق اللفظ غيره ، لأن من قال: "نَحَرَ فلان اليوم "عُقِلَ منه نَحْر البدن ولم يُعقل منه وضع اليمين على اليسار ؛ ويدل على أن المراد الأوّل اتفاق الجميع على أنه لا يضع يده عند النحر . وقد رُوي عن عليّ وأبي هريرة وضع اليمين على اليسار أسفل السُّرَّةِ ، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع يمينه على شماله في الصلاة من وجوه كثيرة .