قوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ} إلى قوله:{ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} . قيل:إنما هي خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، وذلك لما يقسم فيها من الخير الكثير الذي لا يكون مثله في ألف شهر ، فكانت أفضل من ألف شهر لهذا المعنى . وإنما وجه تفضيل الأوقات والأماكن بعضها على بعض لما يكون فيها من الخير الجزيل والنفع الكثير .
واختلفت الروايات عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر متى تكون ، واختلفت الصحابة فيها ، فرُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليلة ثلاث وعشرين ، رواه ابن عباس . ورَوَى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأَوَاخِرِ وَاطْلُبُوهَا في كُلِّ وِتْرٍ ". وعن ابن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْلَةُ تِسْعَ عَشَرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ ". وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ ". ورُوي أنه قال: "في سَبْعٍ وعِشْرِينَ ". حدثنا محمد بن بكر البصري قال:أخبرنا أبو داود قال:حدثنا حميد بن زنجويه النسائي قال:حدثنا سعيد بن أبي مريم قال:حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال:أخبرنا موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال:سئل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر ، فقال: "هي في كُلِّ رَمَضَانَ ". وحدثنا محمد بن بكر قال:حدثنا أبو داود قال:حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا:حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر قال: "قلت لأبيّ بن كعب:أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنايعني عبدالله بن مسعودسئل عنها فقال:مَنْ يقم الحَوْلَ يُصِبْها ! فقال:رحم الله أبا عبدالرّحمن ، والله لقد علم أنها في رمضان ، ولكن كره أن يتكِلُوا ، والله إنها في رمضان ليلة سبع وعشرين ! ".
قال أبو بكر:هذه الأخبار كلها جائز أن تكون صحيحة ، فتكون في سنة في بعض الليالي ، وفي سنة أخرى في غيرها ، وفي سنة أخرى في العشر الأواخر من رمضان ، وفي سنة في العشر الأوسط ، وفي سنة في العشر الأول ، وفي سنة في غير رمضان ، ولم يقل ابن مسعود: "من يُقِمِ الحَوْلَ يُصِبْها "إلا من طريق التوقيف ، إذْ لا يُعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى إلى نبيه ، فثبت بذلك أن ليلة القدر غير مخصوصة بشهر من السنة ، وأنها قد تكون في سائر السنة ، ولذلك قال أصحابنا فيمن قال لامرأته أنت طالق في ليلة القدر:إنها لا تطلق حتى يمضي حَوْلٌ ، لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشكّ ، ولم يثبت أنها مخصوصة بوقت فلا يحصل اليقين بوقوع الطلاق بمضيِّ حَوْلٍ .