وقال تعالى:{ وآتُوا{[648]} اليَتامَى أمْوالهُمْ} الآية [ 2]:روى عن الحسن أنه قال:لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم ، فجعل ولي اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{ وَيَسْألونَكَ عَنِ اليَتامَى قُلْ إصْلاحٌ لهُمْ خَيرٌ وإن تُخالِطوهُم فإخْوانُكُم{[649]}} .
وإنما قال الحسن ذلك لأن تعالى قال:{ وآتُوا اليَتامَى أمْوالهُم} إلى قوله{ وَلا تأكُلوا أمْوالهُم إلى أمْوالِكُمْ} ، وكل ذلك بعد البلوغ لا يتقرر ، والمعنى بقوله:{ وآتُوا اليَتامَى أمْوالهُمْ} ، أي أموالهم للأكل والشرب واللباس والثياب والمفارش والمساكن ، فلما نزل ذلك ، عزل أولياء اليتامى طعامهم من طعام اليتامى ، وملابسهم من ملابس اليتامى ، فجعل يفضل له من طعامه ، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى عليه وسلم ، فنزل قوله تعالى:{ وَيَسْألونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لهُمْ خَيرٌ وإن تُخالطُوهُم فإخوانُكُمْ} الآية .
ويجوز أن يكون قول الله تعالى:{ وآتُوا اليَتامى أمْوالهُم} عنى به البالغ ، وسمّي يتيماً لقرب عهده بالبلوغ ، ولذلك قال:{ وآتُوا اليَتامَى أمْوالهُم} .
والظاهر منه أنهم يؤتون أموالهم إيتاء لا بمعنى الإطعام والكسوة ، ولكنه بمعنى تسليطه عليه ، ونهى الولي عن إمساك ماله بعد البلوغ عنه ، ولكن لم يشترط الرشد هاهنا ، وشرط إيناس الرشد والابتلاء في قوله:{ وابْتَلُوا اليَتامَى حَتّى إذا بَلَغوا النِّكاحَ فإنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فادْفَعوا إلَيْهِمْ أمْوالهُمْ{[650]}} ، فكان ذلك مطلقاً وهذا مقيد .
وذكر الرازي في أحكام القرآن:أنه لما لم يُقيّد الرشد في موضع ، وقُيِّد في موضع ، وجب استعمالهما والجمع بينهما فأقول:إذا بلغ خمساً وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد ، وجب دفع المال إليه ، وإن كان دون ذلك لم يجب عملاً بالآيتين ، وهذا في غاية البعد ، فإنه تعالى قال:{ وابْتَلُوا اليَتامَى حَتّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ} ، ذلك يقتضي اعتياد إيناس الرشد عقيب بلوغ النكاح من غير تطاول المدة .
وقوله تعالى:{ وآتُوا اليَتامَى أمْوالهُمْ} يقتضي مثل ذلك ، فإن اسم اليتيم إنما يطلق على قبل البلوغ حقيقة ، وعلى قرب العهد بالبلوغ مجازاً ، فإما أن يقال:إنه يتناول ابن خمس وعشرين سنة فصاعداً إلى مائة ، وهو جهل عظيم .
والعجيب أن أبا حنيفة إنما أطلق الحجر ، لأنه قال قد بلغ أشده وصار يصلح أن يكون جداً ، فإذا صار يصلح أن يكون جداً ، فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم ، وباسم اليتم ، وهل ذلك إلا في غاية البعد{[651]} .