الْآيَةُ الْأُولَى:قَوْله تَعَالَى:{ كِتَابٌ أُنْزِلَ إلَيْك فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ:{ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ} نَهْيٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَلَكِنَّهُ لِنَفْيِ الْحَرَجِ . وَعَجَبًا لَهُ مَعَ عَمَلٍ يَقَعُ فِي مِثْلِهِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَنْهَى عَنْ أَشْيَاءَ وَتُوجَدُ ، وَيَأْمُرُ بِأَشْيَاءَ فَلَا تُوجَدُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ حَالِهِ ؛ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ:{ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ} ، وَأُعِينَ عَلَى امْتِثَالِ النَّهْيِ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ لَهُ عَلَيْهِ ؛ كَمَا فَعَلَ بِهِ فِي سَائِرِ التَّكْلِيفَاتِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:الْحَرَجُ هُوَ الضِّيقُ . وَقِيلَ:هُوَ الشَّكُّ . وَقِيلَ:هُوَ التَّبَرُّمُ ؛ وَإِلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ ؛ فَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّكُّ فَقَدْ أَنَارَ اللَّهُ فُؤَادَهُ بِالْيَقِينِ ، وَإِنْ كَانَ التَّبَرُّمُ فَقَدْ حَبَّبَ اللَّهُ إلَيْهِ الدِّينَ ، وَإِنْ كَانَ الضِّيقُ فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْعُلُومِ ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ بِالْمَعَارِفِ ، وَذَلِكَ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ من عُلُومِ الْقُرْآنِ ، وَخَفَّفَ عَلَيْهِ ثِقَلَ الْعِبَادَةِ حَتَّى جُعِلَتْ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ يَقُولُ:( أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالٌ ) . وَمِنْ تَمَامِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ النَّشَاطُ إلَيْهَا ، وَالْخِفَّةُ إلَى فِعْلِهَا ، وَخُصُوصًا الصُّبْحَ وَالْعِشَاء ؛ فَهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ حَسْبَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ:( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:فَذَكَرَ من حَدِيثِ:أَنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ ) .
وَلَيْسَ يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ وُجُودِ الثِّقَلِ ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ تَكْلِيفًا ، بَيْدَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَحْتَمِلُهُ وَيَخْرُجُ بِالْفِعْلِ عَنْهُ ، وَالْمُنَافِقُ يُسْقِطُهُ .
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:فَالْعَاصِي إذَا أَسْقَطَهُ أَمُنَافِقٌ هُوَ ؟ قُلْنَا:لَا ، وَلَكِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بِقَوْلِهِ:{ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ} أَيْ فَعَلَ فِعْلَ الْكُفَّارِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ: