الْآيَةُ الثَّانِيَةُ:قَوْله تَعَالَى:{ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}:فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى:أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ ، وَهِيَ أَدَاءُ الطَّاعَةِ لَهُ بِصِفَةِ الْقُرْبَةِ ، وَذَلِكَ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ بِتَجْرِيدِ الْعَمَلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا لِوَجْهِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
المسألة الثَّانِيَةُ:إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي التَّوْحِيدِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ؛ فَدَخَلَتْ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ دُخُولَ الصَّلَاةِ .
فَإِنْ قِيلَ:فَلِمَ خَرَجَتْ عَنْهُ طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ ، وَذَلِكَ يَعْتَرِضُ عَلَيْكُمْ فِي الْوُضُوءِ ؟
قُلْنَا:إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ ، لَكِنْ بِمُزِيلٍ مَخْصُوصٍ ، فَقَدْ جَمَعَتْ عَقْلَ الْمَعْنَى وَضَرْبًا من التَّعَبُّدِ ، كَالْعِدَّةِ جَمَعَتْ بَيْنَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالتَّعَبُّدِ ، حَتَّى صَارَتْ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ الَّتِي تُحَقِّقُ بَرَاءَةَ رَحِمِهِمَا قَطْعًا ، لَا سِيَّمَا وَمنها غَرَضٌ نَاجِزٌ ؛ وَهُوَ النَّظَافَةُ ؛ فَيَسْتَقِلُّ بِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْوُضُوءِ [ غَرَضٌ نَاجِزٌ] إلَّا مُجَرَّدُ التَّعَبُّدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاؤُهُ تَجْرِي بِالْمَاءِ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ بَطَلَ وُضُوءُهُ ، وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِيهَا فِي كِتَابِ تَخْلِيصِ التَّلْخِيصِ .