وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه
{الر} وهي من الحروف التي تقدم الكلام عنها في أوّل سورة البقرة ،{كِتَابٌ أَنزَلْناه إِلَيْكَ} وهو القرآن{لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ليشرق بآياته في عقول الناس التي عاشت في ظلام الكفر والخرافة والتقاليد السخيفة ،وغرقت في ضباب الجهل ،ولتنطلق في حياة الناس رسالةً تنير الدرب للسالكين ،وشريعةً تنظم حياتهم ،ومنهجاً يسدّد خطواتهم فيها .وهكذا كان دور القرآن دوراً تغييرياً لينقل الناس من المفاهيم المظلمة إلى الحقائق المشرقة ،ومن أجواء الجاهلية إلى رحاب الإسلام{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} في ما يخطط لهم من وحيه{إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} الذي يوجه الناس نحو الخط المستقيم الذي يؤكده بأسباب القوّة والقدرة ،فلا يستطيع أحد أن ينتقص من عزته ،أو يسيء إلى جوانب الحمد في ذاته سبحانه .
وقد نستوحي من ذلك أن الله لا يريد للقرآن أن يدفع الناس إلى تغيير مفاهيمهم فحسب ،ويحولهم ثقافياً من الجهل إلى العلم ،ومن الخرافة إلى الحقيقة ،ومن الكفر إلى الإيمان ،بل يريد لهم أن يؤكدوا ذاك التحرك في تحريك الواقع من حولهم ،لأن الدين ليس حالة ثقافية مجرّدة ،بل هو حالة فكرية وروحية تسعى للتغيير عبر خطة واقعية شاملة ،تتكامل فيها النظرية والتطبيق .وهذا ما نفهمه من التعبير بشكل مطلق عن الإخراج من الظلمات إلى النور ،لأن الناس إذا اكتفوا بالجانب الفكري من المسألة ،وتركوا الجوانب الواقعية ،فإن الظلمات تبقى متحكمة في حياة الناس ولا يتحقق هدف الرسالة في تحويل الجانب المظلم من حياتهم إلى جانبٍ مشرقٍ .ولعل التأكيد على الصراط في الآية يوحي بذلك .