{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} الخطاب لرسول الله( ص ) ،ولكنه لا يتعلق به وحده وبصفته الشخصية ،بل بصفته الإنسانية في ساحة العبودية المنفتحة على مسؤوليته الرسالية في التزامها بالله فكراً وعقيدةً وعملاً .ولذلك ،فإنّ الخطاب يمتدّ إلى كل إنسانٍ يراد له أن يعيش تلك الحقيقة في رحاب الله في مواقع الإحساس بعظمته وعلوّ مجده ،إنها الدعوة إلى تسبيح الله الذي يعبر عن تنزيهه الله عما لا يليق بشأنه ،وتعظيمه في ما ينبغي له .وإذا كانت الدعوة للتسبيح المتعلقّة باسمه ،فإن ذلك ينطلق من خلال ما يوحي به هذا الاسم من الدلالة على ذاته المقدّسة في مواقع الربوبية التي لا يدانيها أيّ موقع .فهو الربُّ الأعلى الذي لا يذكر اسم أحد مع اسمه ،ولا يقترب إليه أحد في علوّه ،فهو الأعلى في كل مواقع العلوّ ،فلا يقف التصوّر في رحابه عند حدّ ،بل يبقى في نظرته التصاعدية ،فمهما تصوّر الإنسان درجة له في ذهنه المحدود ،ستبقى هناك درجةً أعلى منها ،لأن الله هو الأعلى في غير حدود ،المطلق في كل صفات الكمال والجمال .
وقد ورد عن النبي( ص ): «اجعلوها في سجودكم »[ 1] ،ولعله بلحاظ أن السجود يمثل أقصى درجات الانحطاط في مواقع الخضوع ،فأريد لهذا الجوّ الخاضع الذي يعيشه الساجد ،أن يرتبط في وعيه بمواقع السموّ العليا التي يستوحي منها الشعور العبادي بانسحاق الأسفل أمام الأعلى ،وذوبانه فيه ،ما يجعله في أفضل درجات العبودية في إحساسه العميق بمقام ربه وموقعه منه .
ولعل التأكيد على التسبيح ،ينطلق من الأسلوب القرآنيّ التربويّ الذي يراد له أن يربّي الإنسان المؤمن على الاستحضار الدائم لعظمة الله في نفسه ،وتنزيهه عما لا يليق به ،لتبقى العقيدة في صفائها ونقائها مشرقةً في ذاته ،وليبقى للإنسان الحد الفاصل بين ما هو الإنسان في كل مواقعه المحدودة ،وبين ما هو الرب في آفاق العظمة المطلقة التي لا حدود لها ،حتى لا يتأنسن الإله في شعوره ،ولا يتألّه الإنسان في وعيه الفكري وحركته العملية ،عندما يظل الذهن مشدوداً إلى الله في الآفاق التي لا يشاركه فيها أحد .