تكلمنا في الحروف المفردة:إننا لا نعلم على التحقيق المراد منها ، وإنها من المتشابه التي اختص الله بعلمه ، واتباع المتشابه ابتغاء تعرفه من صنع أهل الزيغ:{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة . . . ( 8 )} [ أل عمران] ، وقلنا:إننا نتعرف حكمتها ، ولا نتعرف المراد ، وأشرنا إلى أنها سيقت لتذكير العرب بأن القرآن مكون من الحروف التي تعرفونها ، ومع ذلك عجزتم عن أن تأتوا بمثله ، وهذا العجز دليل أنه من عند الله ؛ ولأن العرب كانوا قد اتفقوا على ألا يسمعوه أو يلغوا فيه إذا سمعوه ، فكانت السور تبتدئ بتلك الحروف الصوتية فتنبههم فينقصون ما اتفقوا ، وقيل:إنها أسماء للسور ، أو للكتاب .
وجاء بعد هذه الحروف في السورة ذكر الكتاب الكريم ، فقال تعالى:{ تلك آيات الكتاب وقرآن مبين} الإشارة إلى السورة ، أو إلى المتلو بعد هذه الحروف ، والكتاب بمعنى المكتوب ، وقد وصفت الآيات بوصفين أولهما:أنها آيات الكتاب ؛ لأنها معجزة بذاتها ، فكل آيات من القرآن معجزة تعد من الكتاب المعجز ؛ ولذلك كان يتحدى القرآن قبل تمام نزوله ، وقد وصفت الآيات بأنها مكتوبة ، ووصفت بأنها مقروءة متلوة ؛ ولذلك جاء معطوفا على الكتاب قوله تعالى:{ وقرآن مبين} ، أي مقروء كريم ؛ لأنه نزل مقروءا من الله ، ولأنه محفوظ ، ولأنه سجل الشرائع السماوية ، ولأنه المحفوظ الخالد إلى اليوم ، فالكتاب الكريم يوصف بأنه مكتوب ، ويوصف بأنه مقروء ؛ لأن طريقة تلاوته من عند الله تعالى ، فقد أوحى إلى الرسول فكتب وحفظ ، وقرئ وحفظ متلوا كما قال تعالى لنبيه:{ لا تحرك به لسانك لتعجل به ( 16 ) إن علينا جمعه وقرآنه ( 17 ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ( 18 ) ثم إن علينا بيانه ( 19 )} [ القيامة] .