كان المشركون يتلقون وعد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالغلب في الدنيا أو العذاب الأليم في الآخرة بالاستهزاء ، والسخرية مبالغة في الإنكار ، ويتحدون النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم ما ينذرهم به ، ولقد قال تعالى في ذلك:{ ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ( 53 )} [ العنكبوت] وقال تعالى:{ يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( 54 )} [ العنكبوت] ، أي أن أسبابها محيطة بهم ، وهي قريبة منهم ، وقد نزل قوله تعالى:{ اقترب للناس حسابهم . . .( 1 )} [ الأنبياء] ، وقوله تعالى:{ اقتربت الساعة وانشق القمر ( 1 )} [ القمر] فاستعجلوه ، وقوله تعالى:{ أتى أمر الله فلا تستعجلوه} ، قال فيه النحويون:إنه ماض بمعنى المضارع ، وعبر بالماضي بتأكد وقوعه .
وفي الحق:إن الأزمان بالنسبة لله تعالى لا تختلف بين ماض ومستقبل بل إن ذلك بالنسبة لنا ؛ إذ يختلف الماضي الذي نعلمه واقعا عن المستقبل الذي لا نعلمه بل في الغيب المكنون المستور عنا .
على أن قوله تعالى:{ أتى أمر الله} ، أي تقرر أمر الله تعالى وما يقرر الله تعالى قد أتى فيه قراره ، وتعلقت به إرادته ، وإذا كان قد أتى فلا تستعجلوه ؛ لأنه قد قرر فهو واقع لا محالة ، واستعجالكم لا يعجله ، وسكوتكم لا يؤجله ، و ( الفاء ) في قوله تعالى:{ فلا تستعجلوه} ، تدل على أن ما قبلها سبب لما بعدها ، فسبب النهي عن الاستعجال أنه تقرر بالفعل ، وقوله تعالى:{ سبحانه وتعالى عما يشركون} ، أي تنزه وتقدس وتبرأ ، وتعالى أي تسامى عما يشركون ، و ( ما ) مصدر حرفي أو إسمى ، وفي الجملة معنى النص السامي:تقدس سبحانه وتسامى في علوه عن أن يكون له شريك في السموات والأرض .
وهذه العبارة السامية فيها تقرير أن الله واحد لا شريك له ، ولا يمكن أن يكون له شريك في قدسيته ، وكبريائه