تفسير سورة النحل وهي مكية .
أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة [ كما قال تعالى]:( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) [ الأنبياء:1] وقال:( اقتربت الساعة وانشق القمر ) [ القمر:1] .
وقوله:( فلا تستعجلوه ) أي:قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .
يحتمل أن يعود الضمير على الله ، ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما متلازم ، كما قال تعالى:( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [ العنكبوت:53 ، 54] .
وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله:( أتى أمر الله ) أي:فرائضه وحدوده .
وقد رده ابن جرير فقال:لا نعلم أحدا استعجل الفرائض والشرائع قبل وجودها بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادا وتكذيبا .
قلت:كما قال تعالى:( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ) [ الشورى:18] .
وقال ابن أبي حاتم:ذكر عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن محمد بن عبد الله - مولى المغيرة بن شعبة - عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن عقبة بن عامر قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس ، فما تزال ترتفع في السماء ، ثم ينادي مناد فيها:يا أيها الناس ، فيقبل الناس بعضهم على بعض:هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول:نعم ، ومنهم من يشك ، ثم ينادي الثانية:يا أيها الناس ، فيقول الناس بعضهم لبعض:هل سمعتم ؟ فيقولون:نعم ، ثم ينادي الثالثة:يا أيها الناس ، أتى أمر الله فلا تستعجلوه . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا ، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا - قال - ويشتغل الناس .
ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد ، تعالى وتقدس علوا كبيرا ، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة ، فقال:( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .