سبحان الذي أسرى بعبده
القول في تأويل قوله تعالى{ سبحان الذي أسرى بعبده} قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:يعني تعالى ذكره بقوله تعالى:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكا , وأن له صاحبة وولدا , وعلوا له وتعظيما عما أضافوه إليه , ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم . وقد بينت فيما مضى قبل , أن قوله{ سبحان} اسم وضع موضع المصدر , فنصب لوقوعه موقعه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد كان بعضهم يقول:نصب لأنه غير موصوف , وللعرب في التسبيح أماكن تستعمله فيها . فمنها الصلاة , كان كثير من أهل التأويل يتأولون قول الله:{ فلولا أنه كان من المسبحين}:37 143 فلولا أنه كان من المصلين . ومنها الاستثناء , كان بعضهم يتأول قول الله تعالى:{ ألم أقل لكم لولا تسبحون}:68 28 لولا تستثنون , وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل اليمن , ويستشهد لصحة تأويله ذلك بقوله:{ إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون} 68 17:18 قال:{ قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون} 68 28 فذكرهم تركهم الاستثناء . ومنها النور , وكان بعضهم يتأول في الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء "أنه عنى بقوله:سبحات وجهه:نور وجهه . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله:{ سبحان الذي أسرى بعبده} قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك:16613 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال:أخبرنا عبد الرزاق , قال:أخبرنا الثوري , عن عثمان بن موهب , عن موسى بن طلحة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان:سبحان الله , قال:"إنزاه الله عن السوء ". 16614 - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثنا عبدة بن سليمان , عن الحسن بن صالح , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله:سبحان الله:قال:إنكاف لله . وقد ذكرنا من الآثار في ذلك ما فيه الكفاية فيما مضى من كتابنا هذا قبل . والإسراء والسرى:سير الليل . فمن قال:أسرى , قال:يسري إسراء ; ومن قال:سرى , قال:يسري سرى , كما قال الشاعر:وليلة ذات دجى سريت ولم يلتني عن سراها ليت ويروى:ذات ندى سريت .ليلا
ويعني بقوله:{ ليلا} من الليل . وكذلك كان حذيفة بن اليمان يقرؤها . 16615 - حدثنا أبو كريب , قال:سمعت أبا بكر بن عياش ورجل يحدث عنده بحديث حين أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له:لا تجيء بمثل عاصم ولا زر , قال:قرأ حذيفة:"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى "وكذا قرأ عبد الله .من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
وأما قوله:{ من المسجد الحرام} فإنه اختلف فيه وفي معناه , فقال بعضهم:يعني من الحرم , وقال:الحرم كله مسجد . وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا . وقال:وقد ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان نائما في بيت أم هانئ ابنة أبي طالب . ذكر من قال ذلك:16616 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا سلمة , قال:ثنا محمد بن إسحاق , قال:ثني محمد بن السائب , عن أبي صالح بن باذام عن أم هانئ بنت أبي طالب , في مسرى النبي صلى الله عليه وسلم , أنها كانت تقول:ما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة , فصلى العشاء الآخرة , ثم نام ونمنا , فلما كان قبيل الفجر , أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما صلى الصبح وصلينا معه قال:"يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت لهذا الوادي , ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه , ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ". وقال آخرون:بل أسري به من المسجد , وفيه كان حين أسري به . ذكر من قال ذلك:16617 - حدثنا محمد بن بشار , قال:ثنا محمد بن جعفر بن عدي , عن سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن أنس بن مالك , عن مالك بن صعصعة , وهو رجل من قومه قال:قال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان , إذ سمعت قائلا يقول , أحد الثلاثة , فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم , فشرح صدري إلى كذا وكذا "قال قتادة:قلت:ما يعني به ؟ قال:إلى أسفل بطنه ; قال:"فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه , ثم حشي إيمانا وحكمة , ثم أتيت بدابة أبيض ",وفي رواية أخرى:"بدابة بيضاء يقال له البراق , فوق الحمار ودون البغل , يقع خطوه منتهى طرفه , فحملت عليه , ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماما , ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ". ... فذكر الحديث . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا خالد بن الحارث , قال:ثنا سعيد , عن قتادة , عن أنس بن مالك , عن مالك , يعني ابن صعصعة رجل من قومه , عن النبي صلى الله عليه وسلم , نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة , عن أنس بن مالك , عن مالك بن صعصعة رجل من قومه , قال:قال نبي الله صلى الله عليه وسلم , ثم ذكر نحوه . 16618 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا سلمة , قال:قال محمد بن إسحاق:ثني عمرو بن عبد الرحمن , عن الحسن بن أبي الحسن , قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني بقدمه , فجلست فلم أر شيئا , فعدت لمضجعي , فجاءني الثانية فهمزني بقدمه , فجلست فلم أر شيئا , فعدت لمضجعي , فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه , فجلست , فأخذ بعضدي فقمت معه , فخرج بي إلى باب المسجد , فإذا دابة بيضاء بين الحمار والبغل , له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه , يضع يده في منتهى طرفه , فحملني عليه ثم خرج معي , لا يفوتني ولا أفوته ". 16619 - حدثنا الربيع بن سليمان , قال:أخبرنا ابن وهب , عن سليمان بن بلال , عن شريك بن أبي نمر , قال:سمعت أنسا يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام , فقال أولهم:أيهم هو ؟ قالا أوسطهم:هو خيرهم , فقال أحدهم:خذوا خيرهم , فكانت تلك الليلة , فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه - والنبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه , ولا ينام قلبه . وكذلك الأنبياء تنام أعينهم , ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم , فتولاه منهم جبرائيل عليه السلام , فشق ما بين نحره إلى لبته , حتى فرغ من صدره وجوفه , فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه , ثم أتي بطست من ذهب فيه تور محشو إيمانا وحكمة , فحشا به جوفه وصدره ولغاديده , ثم أطبقه ثم ركب البراق , فسار حتى أتى به إلى بيت المقدس فصلى فيه بالنبيين والمرسلين إماما , ثم عرج به إلى السماء الدنيا , فضرب بابا من أبوابها , فناداه أهل السماء:من هذا ؟ قال:هذا جبرائيل , قيل:من معك ؟ قال:محمد , قيل:أوقد بعث إليه ؟ قال:نعم , قالوا:فمرحبا به وأهلا , فيستبشر به أهل السماء , لا يعلم أهل السماء بما يريد الله بأهل الأرض حتى يعلمهم , فوجد في السماء الدنيا آدم , فقال له جبرائيل:هذا أبوك , فسلم عليه , فرد عليه , فقال:مرحبا بك وأهلا يا بني , فنعم الابن أنت , ثم مضى به إلى السماء الثانية , فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها , فقيل:من هذا ؟ فقال:جبرائيل , قيل:ومن معك ؟ قال:محمد , قيل:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم قد أرسل إليه , فقيل:مرحبا به وأهلا , ففتح لهما ; فلما صعد فيها فإذا هو بنهرين يجريان , فقال:ما هذان النهران يا جبرائيل ؟ قال:هذا النيل والفرات عنصرهما ; ثم عرج به إلى السماء الثالثة , فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها , فقيل:من هذا ؟ قال:جبرائيل , قيل:ومن معك ؟ قال:محمد , قيل:أوقد بعث إليه ؟ قال:نعم قد بعث إليه , قيل:مرحبا به وأهلا , ففتح له فإذا هو بنهر عليه قباب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت , وغير ذلك ما لا يعلمه إلا الله , فذهب يشم ترابه , فإذا هو مسك أذفر , فقال:يا جبرائيل ما هذا المهر ؟ قال:هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك في الآخرة ; ثم عرج به إلى الرابعة , فقالوا به مثل ذلك ; ثم عرج به إلى الخامسة , فقالوا له مثل ذلك ; ثم عرج به إلى السادسة , فقالوا له مثل ذلك ; ثم عرج به إلى السابعة , فقالوا له مثل ذلك , وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس , فوعيت منهم إدريس في الثانية , وهارون في الرابعة , وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه , وإبراهيم في السادسة , وموسى في السابعة بتفضيل كلامه الله , فقال موسى:رب لم أظن أن يرفع علي أحد ! ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله , حتى جاء سدرة المنتهى , ودنا باب الجبار رب العزة , فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى , فأوحى إلى عبده ما شاء , وأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة , ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه , فقال:يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال:"عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة "; قال:إن أمتك لا تستطيع ذلك , فارجع فليخفف عنك وعنهم , فالتفت إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك , فأشار إليه أن نعم , فعاد به جبرائيل حتى أتى الجبار عز وجل وهو مكانه , فقال:"رب خفف عنا , فإن أمتي لا تستطيع هذا ",فوضع عنه عشر صلوات ; ثم رجع إلى موسى عليه السلام فاحتبسه , فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات , ثم احتبسه عند الخمس , فقال:يا محمد قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس , فضعفوا وتركوه , فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا , فارجع فليخفف عنك ربك , كل ذلك يلتفت إلى جبرائيل ليشير عليه , ولا يكره ذلك جبرائيل , فرفعه عند الخمس , فقال:"يا رب إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم , فخفف عنا ",قال الجبار جل جلاله:يا محمد , قال:"لبيك وسعديك ",فقال:إني لا يبدل القول لدي كما كتبت عليك في أم الكتاب , ولك بكل حسنة عشر أمثالها , وهي خمسون في أم الكتاب , وهي خمس عليك ; فرجع إلى موسى , فقال:كيف فعلت ؟ فقال:"خفف عني , أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها ",قال:قد والله راودني بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا , قال:"يا موسى قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه ",قال:فاهبط باسم الله , فاستيقظ وهو في المسجد الحرام . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب , أن يقال:إن الله عز وجل أخبر أنه أسرى بعبده من المسجد الحرام , والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه , وقوله:{ إلى المسجد الأقصى} يعني:مسجد بيت المقدس , وقيل له:الأقصى , لأنه أبعد المساجد التي تزار , وينبغي في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام . فتأويل الكلام تنزيها لله , وتبرئة له ما نحله المشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة , وما يجل عنه جل جلاله , الذي سار بعبده ليلا من بيته الحرام إلى بيته الأقصى . ثم اختلف أهل العلم في صفة إسراء الله تبارك وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , فقال بعضهم:أسرى الله بجسده , فسار به ليلا على البراق من بيته الحرام إلى بيته الأقصى حتى أتاه , فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيم سلطانه , فجمعت له به الأنبياء , فصلى بهم هنالك , وعرج به إلى السماء حتى صعد به فوق السماوات السبع , وأوحى إليه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلى المسجد الحرام من ليلته , فصلى به صلاة الصبح . ذكر من قال ذلك , وذكر بعض الروايات التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيحه:16620 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى , قال:أخبرنا ابن وهب , قال:أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال:أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به على البراق , وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام , يقع حافرها موضع طرفها , قال:فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية , فنفرت العير , وفيها بعير عليه غرارتان:سوداء , وزرقاء , حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء فأتي بقدحين:قدح خمر , وقدح لبن , فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح اللبن , فقال له جبرائيل:هديت إلى الفطرة , لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك . قال ابن شهاب:فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وعيسى , فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال:"فأما موسى فضرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة , وأما عيسى فرجل أحمر كأنما خرج من ديماس , فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي ; وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به "; فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم , حدث قريشا أنه أسري به . قال عبد الله:فارتد ناس كثير بعد ما أسلموا , قال أبو سلمة:فأتى أبو بكر الصديق , فقيل له:هل لك في صاحبك , يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة , قال أبو بكر:أوقال ذلك ؟ قالوا:نعم , قال:فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق , قالوا:أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة ؟ قال:إني أصدقه بأبعد من ذلك , أصدقه بخبر السماء . قال أبو سلمة:سمعت جابر بن عبد الله يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لما كذبتني قريش قمت فمثل الله لي بيت المقدس , فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه ". 16621 - حدثني يونس , قال:أخبرنا ابن وهب , قال:ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري , عن أبيه , عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص , عن أنس بن مالك , قال:لما جاء جبرائيل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكأنها ضربت بذنبها , فقال لها جبرائيل:مه يا براق , فوالله إن ركبك مثله ; فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق:أي على جنب الطريق . قال أو جعفر:ينبغي أن يقال:نائية , ولكن أسقط منها التأنيث . فقال:"ما هذه يا جبرائيل ؟ "قال:سر يا محمد , فسار ما شاء الله أن يسير , فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول:هلم يا محمد , قال جبرائيل:سر يا محمد , فسار ما شاء الله أن يسير ; قال:ثم لقيه خلق من الخلائق , فقال أحدهم:السلام عليك يا أول , والسلام عليك يا آخر , والسلام عليك يا حاشر , فقال له جبرائيل:اردد السلام يا محمد , قال:فرد السلام ; ثم لقيه الثاني , فقال له مثل مقالة الأولين حتى انتهى إلى بيت المقدس , فعرض عليه الماء واللبن والخمر , فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن , فقال له جبرائيل:أصبت يا محمد الفطرة , ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك , ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك . ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء , فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة , ثم قال له جبرائيل:أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق , فلم يبق من الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر تلك العجوز , وأما الذي أراد أن تميل إليه , فذاك عدو الله إبليس , أراد أن تميل إليه ; وأما الذين سلموا عليك , فذاك إبراهيم وموسى وعيسى . 16622 - حدثني علي بن سهل , قال:ثنا حجاج , قال:أخبرنا أبو جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية الرياحي , عن أبي هريرة أو غيره - شك أبو جعفر - في قول الله عز وجل:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله , لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} قال . جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل , فقال جبرائيل لميكائيل:ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه , وأشرح له صدره , قال:فشق عن بطنه , فغسله ثلاث مرات , واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسات من ماء زمزم , فشرح صدره , ونزع ما كان فيه من غل , وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما , وختم بين كتفيه بخاتم النبوة , ثم أتاه بفرس فحمل عليه كل خطوة منه منهى طرفه وأقصى بصره . قال:فسار وسار معه جبرائيل عليه السلام , فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم , كلما حصدوا عاد كما كان , فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا جبرائيل ما هذا ؟ "قال:هؤلاء المجاهدون في سبيل الله , تضاعف لهم الحسنة بسبع مائة ضعف , وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ; ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر , كلما رضخت عادت كما كانت , لا يفتر عنهم من ذلك شيء , فقال:"ما هؤلاء يا جبرائيل ؟ "قال:هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة ; ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع , وعلى أدبارهم رقاع , يسرحون كما تسرح الإبل والغنم , ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها , قال:"ما هؤلاء يا جبرائيل ؟ "قال:هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم , وما ظلمهم الله شيئا , وما الله بظلام للعبيد ; ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور , ولحم آخر نيء قذر خبيث , فجعلوا يأكلون من النيء , ويدعون النضيج الطيب , فقال:"ما هؤلاء يا جبرائيل ؟ "قال:هذا الرجل من أمتك , تكون عنده المرأة الحلال الطيب , فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح , والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا , فتأتي رجلا خبيثا , فتبيت معه حتى تصبح . قال:ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته , ولا شيء إلا خرقته , قال:"ما هذا يا جبرائيل ؟ "قال:هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه . ثم قرأ:{ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون} 7 86 الآية . ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها , وهو يزيد عليها , فقال:"ما هذا يا جبرائيل ؟ "قال:هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها , وهو يزيد عليها , ويريد أن يحملها , فلا يستطيع ذلك ; ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد , كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء , قال:"ما هؤلاء يا جبرائيل ؟ "فقال:هؤلاء خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون ; ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم , فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع , فقال:"ما هذا يا جبرائيل ؟ "قال:هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة , ثم يندم عليها , فلا يستطيع أن يردها ; ثم أتى على واد , فوجد ريحا طيبة باردة , وفيه ريح المسك , وسمع صوتا , فقال:"يا جبرائيل ما هذه الريح الطيبة الباردة وهذه الرائحة التي كريح المسك , وما هذا الصوت ؟ "قال:هذا صوت الجنة تقول:يا رب آتني ما وعدتني , فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقري , ولؤلئي ومرجاني , وفضتي وذهبي , وأكوابي وصحافي وأباريقي , وفواكهي ونخلي ورماني , ولبني وخمري , فآتني ما وعدتني , فقال:لك كل مسلم ومسلمة , ومؤمن ومؤمنة , ومن آمن بي وبرسلي , وعمل صالحا ولم يشرك بي , ولم يتخذ من دوني أندادا , ومن خشيني فهو آمن , ومن سألني أعطيته , ومن أقرضني جزيته , ومن توكل علي كفيته , إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد , وقد أفلح المؤمنون , وتبارك الله أحسن الخالقين , قالت:قد رضيت ; ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا , ووجد ريحا منتنة , فقال:وما هذه الريح يا جبرائيل وما هذا الصوت ؟ "قال:هذا صوت جهنم , تقول:يا رب آتني ما وعدتني , فقد كثرت سلاسلي وأغلالي , وسعيري وجحيمي , وضريعي وغساقي , وعذابي وعقابي , وقد بعد قعري واشتد حري , فآتني ما وعدتني , قال:لك كل مشرك ومشركة , وكافر وكافرة , وكل خبيث وخبيثة , وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب , قالت:قد رضيت ; قال:ثم سار حتى أتى بيت المقدس , فنزل فربط فرسه إلى صخرة , ثم دخل فصلى مع الملائكة ; فلما قضيت الصلاة . قالوا:يا جبرائيل من هذا معك ؟ قال:محمد , فقالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ; قال:ثم لقي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم , فقال إبراهيم:الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما , وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي , وأنقذني من النار , وجعلها علي بردا وسلاما ; ثم إن موسى أثنى على ربه فقال:الحمد لله الذي كلمني تكليما , وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي , وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون ; ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه , فقال:الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما وعلمني الزبور , وألان لي الحديد , وسخر لي الجبال يسبحن والطير , وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب ; ثم إن سليمان أثنى على ربه , فقال:الحمد لله الذي سخر لي الرياح , وسخر لي الشياطين , يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب , وقدور راسيات , وعلمني منطق الطير , وآتاني من كل شيء فضلا , وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير , وفضلني على كثير من عباده المؤمنين , وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي , وجعل ملكي ملكا طيبا ليس علي فيه حساب ; ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه , فقال:الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب , ثم قال له:كن فيكون , وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل , وجعلني أخلق من الطين هيئة الطير , فأنفخ فيه , فيكون طيرا بإذن الله , وجعلني أبرئ الأكمة والأبرص , وأحيي الموتى بإذن الله , ورفعني وطهرني , وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم , فلم يكن للشيطان علينا سبيل ; قال:ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه , فقال:"كلكم أثنى على ربه , وأنا مثن على ربي ",فقال:"الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين , وكافة للناس بشيرا ونذيرا , وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء , وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس , وجعل أمتي وسطا , وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون , وشرح لي صدري , ووضع عني وزري ورفع لي ذكري , وجعلني فاتحا خاتما "قال إبراهيم:بهذا فضلكم محمد - قال:أبو جعفر:وهو الرازي:خاتم النبوة , وفاتح بالشفاعة يوم القيامة - ثم أتى إليه بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها , فأتي بإناء منها فيه ماء , فقيل:اشرب , فشرب منه يسيرا ; ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن , فقيل له:اشرب , فشرب منه حتى روي ; ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر , فقيل له:اشرب , فقال:"لا أريده قد رويت "فقال له جبرائيل صلى الله عليه وسلم:أما إنها ستحرم على أمتك , ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل , ثم عرج به إلى سماء الدنيا , فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها , فقيل:من هذا ؟ قال:جبرائيل , قيل:ومن معك ؟ فقال:محمد , قالوا:أوقد أرسل إليه , قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ; فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء , كما ينقص من خلق الناس , على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة , وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة , إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر , وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن , فقلت:"يا جبرائيل من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء , وما هذان البابان ؟ "قال:هذا أبوك آدم , وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة , إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر , والباب الذي عن شماله باب جهنم , إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن ; ثم صعد به جبرائيل صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فاستفتح , فقيل:من هذا ؟ قال:جبرائيل , قيل:ومن معك ؟ قال:محمد رسول الله , فقالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء , قال:فإذا هو بشابين , فقال:"يا جبرائيل من هذان الشبان ؟ "قال:هذا عيسى ابن مريم , ويحيى بن زكريا ابنا الخالة , قال:فصعد به إلى السماء الثالثة , فاستفتح , فقالوا:من هذا ؟ قال:جبرائيل , قالوا:ومن معك ؟ قال:محمد , قالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء , قال:فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس كلهم في الحسن , كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب , قال:"من هذا يا جبرائيل الذي فضل على الناس في الحسن ؟ "قال:هذا أخوك يوسف ; ثم صعد به إلى السماء الرابعة , فاستفتح , فقيل:من هذا ؟ قال جبرائيل , قالوا:ومن معك ؟ قال:محمد , قالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ; قال:فدخل , فإذا هو برجل , قال:"من هذا يا جبرائيل ؟ "قال:هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا . ثم صعد به إلى السماء الخامسة , فاستفتح جبرائيل , فقالوا:من هذا ؟ فقال:جبرائيل , قالوا:ومن معك ؟ قال:محمد , قالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ; ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم , قال:"من هذا يا جبرائيل ومن هؤلاء الذين حوله ؟ "قال:هذا هارون المحبب في قومه , وهؤلاء بنو إسرائيل ; ثم صعد به إلى السماء السادسة , فاستفتح جبرائيل , فقيل له:من هذا ؟ قال:جبرائيل , قالوا:ومن معك ؟ قال:محمد , قالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ; فإذا هو برجل جالس , فجاوزه , فبكى الرجل , فقال:"يا جبرائيل من هذا ؟ "قال:موسى , قال:"فما باله يبكي ؟ "قال:تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بنى آدم على الله , وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا , وأنا في أخرى , فلو أنه بنفسه لم أبال , ولكن مع كل نبي أمته ; ثم صعد به إلى السماء السابعة , فاستفتح جبرائيل , فقيل:من هذا ؟ قال:جبرائيل , قالوا:ومن معك ؟ قال:محمد , قالوا:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , قالوا:حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء , قال:فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي , وعنده قوم جلوس بيض الوجوه , أمثال القراطيس , وقوم في ألوانهم شيء , فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء , فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه , فخرجوا وقد خلص , من ألوانهم شيء , ثم دخلوا نهرا آخر , فاغتسلوا فيه , فخرجوا وقد خلص , من ألوانهم شيء , ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه , فخرجوا وقد خلص , ألوانهم شيء , فصارت مثل ألوان أصحابهم , فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم , فقال:"يا جبرائيل من هذا الأشمط , ثم من هؤلاء البيض وجوههم , ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء , وما هذه الأنهار التي دخلوا , فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ "قال:هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض , وأما هؤلاء البيض الوجوه:فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم , وأما هؤلاء الذين . في ألوانهم شيء , فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا , فتابوا , فتاب الله عليهم , وأما الأنهار:فأولها رحمة الله , وثانيها:نعمة الله , والثالث:سقاهم ربهم شرابا طهورا ; قال:ثم انتهى إلى السدرة , فقيل له:هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك , فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن , وأنهار من لبن لم يتغير طعمه , وأنهار من خمر لذة للشاربين , وأنهار من عسل مصفى , وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها , والورقة منها مغطية للأمة كلها , قال:فغشيها نور الخلاق عز وجل , وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة , قال:فكلمه عند ذلك , فقال له:سل , فقال:"اتخذت إبراهيم خليلا , وأعطيته ملكا عظيما , وكلمت موسى تكليما , وأعطيت داود ملكا عظيما , وألنت له الحديد , وسخرت له الجبال , وأعطيت سليمان ملكا عظيما , وسخرت له الجن والإنس والشياطين , وسخرت له الرياح , وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده , وعلمت عيسى التوراة والإنجيل , وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص , ويحيي الموتى بإذن الله , وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم , فلم يكن للشيطان عليهما سبيل ". فقال له ربه:قد اتخذتك حبيبا وخليلا , وهو مكتوب في التوراة:حبيب الله ; وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا , وشرحت لك صدرك , ووضعت عنك وزرك , ورفعت لك ذكرك , فلا أذكر إلا ذكرت معي , وجعلت أمتك أمة وسطا , وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون , وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة , حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي , وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم , وجعلتك أول النبيين خلقا , وآخرهم بعثا , وأولهم يقضى له , وأعطيتك سبعا من المثاني , لم يعطها نبي قبلك , وأعطيتك الكوثر , وأعطيتك ثمانية أسهم الإسلام والهجرة , والجهاد , والصدقة , والصلاة , وصوم رمضان , والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , وجعلتك فاتحا وخاتما , فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فضلني ربي بست:أعطاني فواتح الكلم وخواتيمه , وجوامع الحديث , وأرسلني إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا , وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر , وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي , وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا , قال:وفرض علي خمسين صلاة "; فلما رجع إلى موسى , قال:بم أمرت يا محمد , قال:"بخمسين صلاة ",قال:ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , فقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال:فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه عشرا , ثم رجع إلى موسى , فقال:بكم أمرت ؟ قال:"بأربعين ",قال:ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بنى إسرائيل شدة , قال:فرجع إلى ربه , فسأله التخفيف , فوضع عنه عشرا , فرجع إلى موسى , فقال:بكم أمرت ؟ قال:"أمرت بثلاثين ",فقال له موسى:ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال:فرجع إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه عشرا , فرجع إلى موسى فقال:بكم أمرت ؟ قال:"بعشرين ",قال:ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال:فرجع إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه عشرا , فرجع إلى موسى , فقال:بكم أمرت ؟ قال:"بعشر ",قال:ارجع إلى ربك فاسأله التحفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال:فرجع على حياء إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه خمسا , فرجع إلى موسى , فقال:بكم أمرت ؟ قال:"بخمس ",قال:ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف الأم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال:"قد رجعت إلى ربي حتى استحييت فما أنا راجع إليه ",فقيل له:أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة فإن كل حسنة بعشر أمثالها , قال:فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا , فكان موسى أشدهم عليه حين مر به , وخيرهم له حين رجع إليه . * - حدثني محمد بن عبيد الله , قال:أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم , قال:ثنا أبو جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية أو غيره - شك أبو جعفر - عن أبي هريرة في قوله:{ سبحان الذي أسرى بعبده} . ... إلى قوله:{ إنه هو السميع البصير} قال:جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فذكر نحو حديث علي بن سهل , عن حجاج , إلا أنه قال:جاء جبرائيل ومعه مكائيل , وقال فيه:وإذا بقوم يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم , وقال في كل موضع قال علي:"ما هؤلاء ","من هؤلاء يا جبرائيل ",وقال في موضع "تقرض ألسنتهم ""تقص ألسنتهم ",وقال أيضا في موضع قال علي فيه:"ونعم الخليفة ". قال في ذكر الخمر , فقال:"لا أريده قد رويت ",قال جبرائيل:قد أصبت الفطرة يا محمد , إنها ستحرم على أمتك , وقال في سدرة المنتهى أيضا:هذه السدرة المنتهى , إليها ينتهي كل أحد خلا على سبيلك من أمتك ; وقال أيضا في الورقة منها:"تظل الخلق كلهم , تغشاها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشجرة , من حب الله عز وجل "وسائر الحديث مثل حديث علي . 16623 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال:ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن أبي هارون العبدي , عن أبي سعيد الخدري ; وحدثني الحسن بن يحيى , قال:أخبرنا عبد الرزاق , قال:ثنا معمر , قال:أخبرنا أبو هارون العبدي , عن أبي سعيد الخدري , واللفظ لحديث الحسن بن يحيى , في قوله:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال:ثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل , له أذنان مضطربتان وهو البراق , وهو الذي كان تركبه الأنبياء قبلي , فركبته , فانطلق بي يضع يده عند منتهى بصره , فسمعت نداء عن يميني:يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه ; ثم سمعت نداء عن شمالي:يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه ; ثم استقبلت امرأة في الطريق , فرأيت عليها من كل زينة من زينة الدنيا رافعة يدها , تقول:يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليها , ثم أتيت بيت المقدس , أو قال المسجد الأقصى , فنزلت عن الدابة فأوثقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها , ثم دخلت المسجد فصليت فيه , فقال له جبرائيل:ماذا رأيت في وجهك , فقلت:سمعت نداء عن يميني أن يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه , قال:ذاك داعي اليهود , أما لو أنك وقفت عليه لتهودت أمتك , قال:ثم سمعت نداء عن يساري أن يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه , قال:ذاك داعي النصارى , أما إنك لو وقفت عليه لتنصرت أمتك , قلت:ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة من زينة الدنيا رافعة يدها تقول على رسلك , أسألك , فمضيت ولم أعرج عليها , قال:تلك الدنيا تزينت لك , أما إنك لو وقفت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة , ثم أتيت بإناءين أحدهما فيه لبن , والآخر فيه خمر , فقيل لي:اشرب أيهما شئت , فأخذت اللبن فشربته , قال:أصبت الفطرة أو قال:أخذت الفطرة ". قال معمر:وأخبرني الزهري , عن ابن المسيب أنه قيل له:أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك . قال أبو هارون في حديث أبي سعيد:"ثم جيء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا هو أحسن ما رأيت ألم تر إلى الميت كيف يحد بصره إليه فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا , فاستفتح جبرائيل , فقيل من هذا ؟ قال:جبرائيل ؟ قيل:ومن معك ؟ قال:محمد , قيل:أوقد أرسل إليه ؟ قال:نعم , ففتحوا وسلموا علي , وإذا ملك موكل يحرس السماء يقال له إسماعيل , معه سبعون ألف ملك مع كل ملك منهم مائة ألف , ثم قرأ:{ وما يعلم جنود ربك إلا هو} 74 31 وإذا أنا برجل كهيئته يوم خلقه الله لم يتغير منه شيء , فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته , فإذا كانت روح مؤمن , قال:روح طيبة , وريح طيبة , اجعلوا كتابه في عليين ; وإذا كان روح كافر قال:روح خبيثة وريح خبيثة , اجعلوا كتابه في سجيل , فقلت:يا جبرائيل من هذا ؟ قال:أبوك آدم , فسلم علي ورحب بي ودعا لي بخير وقال:مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح , ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل , وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم , ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم , قلت:يا جبرائيل من هؤلاء ؟ قال:هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما . ثم نظرت فإذا أنا بقوم يحذى من جلودهم ويرد في أفواههم , ثم يقال:كلوا كما أكلتم , فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك , قلت:من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال:هؤلاء الهمازون اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس , ويقعون في أعراضهم بالسب ; ثم نظرت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم , وإذا حولهم جيف , فجعلوا يميلون على الجيف يأكلون منها ويدعون ذلك اللحم , قلت:من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال:هؤلاء الزناة عمدوا إلى ما حرم الله عليهم , وتركوا ما أحل الله لهم ; ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها البيوت وهي على سابلة آل فرعون , فإذا مر بهم آل فرعون ثاروا , فيميل بأحدهم بطنه فيقع , فيتوطئوهم آل فرعون بأرجلهم , وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا ; قلت:من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال:هؤلاء أكلة الربا , ربا في بطونهم , فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس ; ثم نظرت , فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن , ونساء منكسات بأرجلهن , قلت:من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال:هن اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن قال:ثم صعدنا إلى السماء الثانية , فإذا أنا بيوسف وحوله تبع من أمته , ووجهه كالقمر ليلة البدر , فسلم علي ورحب بي , ثم مضينا إلى السماء الثالثة , فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى , يشبه أحدهما صاحبه , ثيابهما وشعرهما , فسلما علي , ورحبا بي ; ثم مضينا إلى السماء الرابعة , فإذا أنا بإدريس , فسلم علي ورحب وقد قال الله:{ ورفعناه مكانا عاليا} ; ثم مضينا إلى السماء الخامسة , فإذا أنا بهارون المحبب في قومه , حوله تبع كثير من أمته "فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم:"طويل اللحية تكاد لحيته تمس سرته , فسلم علي ورحب ; ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران "فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما ; قال موسى:تزعم الناس أني أكرم الخلق على الله , فهذا أكرم على الله مني , ولو كان وحده لم أكن أبالي , ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته ; ثم مضينا إلى السماء السابعة , فإذا أنا بإبراهيم وهو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور فسلم علي وقال:مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح , فقيل:هذا مكانك ومكان أمتك , ثم تلا:{ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا , والله ولي المؤمنين} ; ثم دخلت البيت المعمور فصليت فيه , وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إلى يوم القيامة ; ثم نظرت فإذا أنا بشجرة إن كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة , فإذا في أصلها عين تجري قد تشعبت شعبتين , فقلت:ما هذا يا جبرائيل ؟ قال:أما هذا:فهو نهر الرحمة , وأما هذا:فهو الكوثر الذي أعطاكه الله , فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر , ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة , فإذا فيها ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة , وإذا فيها طير كأنها البخت "فقال أبو بكر:إن تلك الطير لناعمة , قال:"أكلتها أنعم منها يا أبا بكر , وإني لأرجو أن تأكل منها , ورأيت فيها جارية , فسألتها:لمن أنت ؟ فقالت:لزيد بن حارثة "فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا ; قال:"ثم إن الله أمرني بأمره , وفرض علي خمسين صلاة , فمررت على موسى , فقال:بم أمرك ربك ؟ قلت:فرض علي خمسين صلاة , قال:ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف , فإن أمتك لن يقوموا بهذا , فرجعت إلى ربي فسألته فوضع عني عشرا , ثم رجعت إلى موسى , فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت لموسى حتى فرض علي خمس صلوات , فقال موسى:ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فقلت:قد رجعت إلى ربي حتى استحييت "أو قال:"قلت:ما أنا براجع , فقيل لي:إن لك بهذه الخمس صلوات خمسين صلاة , الحسنة بعشر أمثالها , ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة , ومن عملها كتبت له عشرا , ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا , فإن عملها كتبت واحدة ". * - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , قال:ثني روح بن القاسم , عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي , عن أبي سعيد الخدري ; وحدثنا ابن حميد , قال:ثنا سلمة , قال:وثني أبو جعفر , عن أبي هارون , عن أبي سعيد , قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لما فرغت مما كان في بيت المقدس , أتي بالمعراج , ولم أر شيئا قط أحسن منه , وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر , فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى إلى باب من الأبواب يقال له باب الحفظة , عليه ملك يقال له إسماعيل , تحت يديه اثنا عشر ألف ملك , تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث هذا الحديث:"ما يعلم جنود ربك إلا هو "ثم ذكر نحو حديث معمر , عن أبي هارون إلا أ