الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أى قسموه إلى حق وباطل..
وقيل:هو متعلق بقوله- تعالى-:وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ.. وجوز أن يراد بالمقتسمين جماعة من قريش ... أرسلهم الوليد بن المغيرة، أيام موسم الحج، ليقفوا على مداخل طرق مكة، لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فانقسموا على هاتيك المداخل، يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج فإنه ساحر..أى:وقل إنى أنا النذير عذابا مثل العذاب الذي أنزلناه على المقتسمين.
وقيل المراد بالمقتسمين، الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحا- أى يقتلوه ليلا- فأهلكهم الله ...
ثم قال- رحمه الله-:والأقرب من الأقوال المذكورة أن قوله كَما أَنْزَلْنا.. متعلق بقوله- تعالى- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً ... وأن المراد بالمقتسمين أهل الكتابين، وأن الموصول مع صلته، صفة مبينة لكيفية اقتسامهم ...
والمعنى:لقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، إيتاء مماثلا لإنزال الكتابين على أهلهما ... .
ويبدو لنا أن من الأفضل أن يكون المراد بالمقتسمين، ما يشمل أهل الكتابين وغيرهم من المشركين المتحالفين على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم- كما قال ابن كثير- وقد ذهب إلى ذلك الإمام ابن جرير، فقد قال- رحمه الله- بعد سرده للأقوال في ذلك ما ملخصه:
«والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال:إن الله- تعالى- أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم قومه الذين عضوا القرآن ففرقوه، أنه نذير لهم من سخط الله وعقوبته، أن يحل بهم ما حل بالمقتسمين من قبلهم ومنهم ...
وجائز أن يكون عنى بالمقتسمين:أهل الكتابين.. وجائز أن يكون عنى بذلك:المشركين من قريش، لأنهم اقتسموا القرآن، فسماه بعضهم شعرا، وسماه بعضهم كهانة ...
وجائز أن يكون عنى به الفريقين ... وممكن أن يكون عنى به المقتسمين على صالح من قومه. لأنه ليس في التنزيل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في فطرة العقل، ما يدل على أنه عنى به أحد الفرق الثلاثة دون الآخرين، وإذا فكل من اقتسم كتابا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض، كان داخلا في هذا التهديد والوعيد ... .