باب الاستعاذة
قال الله تعالى:{ فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} . رَوَى عمرو بن مرة عن عباد بن عاصم عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ". ورَوَى أبو سعيد الخدري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ في صلاته قبل القراءة ". ورُوي عن عمر وابن عمر: "الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة ". وروى ابن جريج عن عطاء قال: "الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة وغيرها ". وقال محمد بن سيرين: "إذا تعوذت مرة ، أو قرأت مرة بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أجْزَأَ عنك "، وكذلك رُوي عن إبراهيم النخعي . وكان الحسن يستعيذ في الصلاة حين يستفتح قبل أن يقرأ أُمَّ القرآن . ورُوي عن ابن سيرين رواية أخرى قال: "كلما قرأتَ فاتحة الكتاب حين تقول آمين فاستعذ ". وقال أصحابنا والثوري والأوزاعي والشافعي: "يتعوذ قبل القراءة ". وقال مالك: "لا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة ، ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ ".
قال أبو بكر:قوله:{ فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} ، يقتضي ظاهرُه أن تكون الاستعاذة بعد القراءة ، كقوله:{ فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً} [ النساء:103] ، ولكنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف الذين ذكرناهم الاستعاذة قبل القراءة ، وقد جرت العادة بإطلاق مثله . والمراد إذا أردت ذلك كقوله تعالى:{ وإذا قلتم فاعدلوا} [ الأنعام:152] ، وقوله:{ فإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} [ الأحزاب:53] ، وليس المراد أن تسألها من وراء حجاب بعد سؤال متقدم ، وكقوله تعالى:{ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} [ المجادلة:12] ، وكذلك قوله{ فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} ، معناه:إذا قرأت فقدِّم الاستعاذة قبل القراءة ، وحقيقة معناه:إذا أردت القراءة فاستعذ ، وكقول القائل:إذا قلت فاصْدُقْ ، وإذا أحرمت فاغتسل ، يعني:قبل الإحرام ، والمعنى:في جميع ذلك إذا أردت ذلك ؛ كذلك قوله:{ فإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ} ، معناه:إذا أردت قراءته . وقول من قال: "الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة "شاذٌّ ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة ، قال الله تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان} [ الحج:52] ، فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة . والاستعاذةُ ليست بفرض ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلّمها الأعرابي حين علّمه الصلاة ، ولو كانت فرضاً لم يُخْلِهِ من تعليمها .