/م1
التّفسير
{تبت يدا أبي لهب}
هذه السّورةكما ذكرنا في سبب نزولهاترد على بذاءات أبي لهب عم النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابن عبد المطلب .وكان من ألد أعداء الإسلام ،وحين صدح النّبي بدعوته وأعلنها على قريش ،وأنذرهم بالعذاب الإلهي قال:«تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً » ؟!
والقرآن يرد على هذا الإنسان البذيء ويقول له:
{تبت يدا أبي لهب وتب} .
«التّب » و«التاب » يعني الخسران المستمر كما يقول الراغب في مفرداته ،أو هو الخسران المنتهي بالهلاك كما يقول الطبرسي في مجمع البيان .
وبعض اللغويين قال: إنّه القطع والبتر .وهذا المعنى الأخير هو النتيجة الطبيعية للخسران المستمر المنتهي بالهلاك .
الهلاك والخسران في الآية يمكن أن يكون دنيوياً ،ويمكن أن يكون معنوياً أخروياً ،أو كليهما .
وهنا يثار تساؤل بشأن سبب ذم هذا الشخص باسمهوهو خلاف نهج القرآنوبهذه الشدّة .
يتّضح ذلك لو عرفنا مواقف أبي لهب من الدعوة .
اسمه «عبد العزى » ،وكنيته «أبو لهب » ،وقيل: إنّه كني بذلك لحمرة كانت في وجهه .
وامرأته«أم جميل » أخت أبي سفيان ،وكانت من أشدّ النّاس عداوة ،وأقذعهم لساناً تجاه النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودعوته .
وفي الرّواية عن «طارق المحاربي » قال: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول: «يا أيّها النّاس قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا » .وإذا برجل خلفه يرميه قد أرمى ساقيه وعرقوبيه ،ويقول: يا أيّها النّاس إنّه كذاب ،فلا تصدقوه .فقلت: من هذا ؟فقالوا: هو محمّد ،يزعم أنهّ نبيّ .وهذا عمّه أبو لهب يزعم أنّه كذاب{[6211]} .
وفي رواية عن « ربيعة بن عباد » قال: كنت مع أبي أنظر إلى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم )يتبع القبائل ،ووراءه رجل أحول وضيء الوجه .يقف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على القبيلة فيقول:«يا بني فلان .إنّي رسول الله إليكم .آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ،وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به » .وإذا فرغ من مقالته قال: الآخر من خلفه: يا بني فلان .هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن ،إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ،فلا تسمعوا له ،ولا تتبعوه .فقلت لأبي: من هذا ؟قال: عمّه أبو لهب{[6212]} .
وفي رواية أُخرى: وكان من عظيم خطر أبي لهب ضد الدعوة الإسلامية أنّه كلما جاء وفد إلى النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يسألون عنه عمّه أبا لهباعتباراً بكبره وقرابته وأهميتهكان يقول لهم: إنّه ساحر ،فيرجعون ولا يلقونه ،فأتاه وفد فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ،فقال: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتباً له وتعساً{[6213]} .
من هذه الرّوايات نفهم بوضوح أن أبا لهب كان يتتبع النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) غالباً كالظلّ .وما كان يرى سبيلا لإيذائه إلاّ سلكه ،وكان يقذعه بأفظع الألفاظ .ومن هنا كان أشدّ أعداء الرسول والرسالة ،ولذلك جاءت هذه السّورة لتردّ على أبي لهب وامرأته بصراحة وقوّة{[6214]} .إنّه الوحيد الذي لم يوقع على ميثاق حماية بني هاشم للرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ووقف في صف الأعداء ،واشترك في عهودهم .من كلّ ما سبق نفهم الوضع الاستثنائي لهذه السّورة .
/خ5