التّفسير
عند انبلاج فجر النصر:
{إذا جاء نصر اللّه والفتح ،ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجاً ،فسبح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان تواباً} .
هذه الآيات الثلاث القصار في ألفاظها العميقة في محتواها تتضمّن مسائل دقيقة كثيرة نسلط عليها الضوء كي تساعدنا في فهم معنى السّورة .
1«النصر »: في الآية أضيف إلى اللّه «نصر اللّه » ،وفي كثير من المواضع القرآنية نجد نسبة النصر إلى اللّه .يقول سبحانه{ألا إنّ نصر اللّه قريب}{[6205]} ،ويقول:{وما النصر إلاّ من عند اللّه}{[6206]} .
وهذا يعني أن النصر في أي حال لا يكون إلاّ بإرادة اللّه ،نعم ،لابدّ من إعداد القوّة للغلبة على العدو ،لكن الإنسان الموحّد يؤمن أنّ النصر من عند اللّه وحده ،ولذلك لا يغتّر بالنصر ،بل يتجه إلى شكر اللّه وحمده .
2في هذه السّورة دار الحديث عن نصرة الله ،ثمّ عن «الفتح »والانتصار ،وبعدها عن اتساع رقعة الإسلام ،ودخول النّاس في دين الله زرافات ووحداناً .
وبين هذه الثلاثة ارتباط علة ومعلول .فبنصر الله زرافات يتحقق الفتح ،وبالفتح تزال الموانع من الطريق ،ويدخل النّاس في دين الله أفواجاً .
بعد هذه المراحل الثلاثالتي يشكل كل منها نعمة كبرىتحّل المرحلة الرابعة وهي مرحلة الشكر والحمد .
من جهة أُخرى نصر الله ،والفتح ،هدفهما النهائي دخول النّاس في دين الله ،وهداية البشرية .
3«الفتح » هنا مذكور بشكل مطلق ،والقرائن تشيركما ذكرناأنه فتح مكّة الذي كان له ذلك الصدى الواسع المذكور في الآية .
«فتح مكّة » فتح في الواقع صفحة جديدة في تاريخ الإسلام ؛لأن مركز الشرك قد تلاشى بهذا الفتح ،انهدمت الأصنام ،وتبددت آمال المشركين ،وأزيلت السدود والموانع من طريق إيمان النّاس بالإسلام .
من هنا ،يجب أن نعتبر فتح مكّة بداية مرحلة تثبيت أسس الإسلام واستقراره في الجزيرة العربية ،ثمّ في العالم أجمع .لذلك لا نرى بعد فتح مكّة مقاومة من المشركين ( سوى مرّة واحدة قمعت بسرعة ) ،وكان النّاس بعده يفدون على النّبي من كل أنحاء الجزيرة ليعلنوا إسلامهم .
4في نهاية السّورة يأمر الله سبحانه نبيّه ( بل كل المؤمنين ) بثلاثة أُمور ليجّسد آلاء الشكر وليتخذ الموقف الإيماني المناسب من النصر الإلهي وهي:«التسبيح » ،و«الحمد » ،و«الاستغفار » .
«التسبيح » تنزيه الله من كل عيب ونقص .
و «الحمد » لوصف الله بالصفات الكمالية .
و «الاستغفار » إزاء تقصير العبد .
هذا الانتصار الكبير أدى إلى تطهير الساحة من أفكار الشرك ،وإلى تجلي جمال الله وكماله أكثر من ذي قبل ،وإلى اهتداء من ضلّ الطريق إلى الله .
هذا الفتح العظيم أدى إلى أن لا يظن فرد بأن الله يترك أنصاره وحدهم ،( ولذلك جاء أمر التسبيح لتنزيهه من هذا النقص ) ،وإلى أن يعلم المؤمنون بأن وعده الحق ( موصوف بهذا الكمال ) ،وإلى أن يعترف العباد بنقصهم أمام عظمة الله .
/خ3