بسم الله الرحمان الرحيم
قوله تعالى:{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 1 ) الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذوا ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( 2 )} ( تبارك ) ،يعني تمجد وتعظم وتقدس ،وهو من البركة ؛أي التزايد في الخير .فالمعنى: تزايد خيره وعطاؤه وكثر .وهي كلمة يعظم الله فيها نفسه ؛فهو ( الذي نزل الفرقان ) ( الفرقان ) مصدر فرّق بين الشيئين إذا فصل بينهما .وسمي القرآن بالفرقان ؛لأنه يفصل بين الحق والباطل ،وبين الحلال والحرام .وقيل: لأنه لم ينزل جملة واحدة بل نزل مفرقا على نجوم ،مفصولا بين بعضه وبعض في الإنزال كقوله: ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) .
قوله: ( على عبده ) أي نبيه محمد ( ص ) .وهذه صفة مدح وثناء من الله على رسوله عليه الصلاة والسلام .وذلك بإضافته إلى العبودية لله .لا جرم أن أشرف أوصاف المرء كونه مذعنا لله بالعبودية وهي الخضوع لأمره والاستسلام لجلاله العظيم .ويشهد بهذه الحقيقة ثناء الله على رسوله في أكرم حالاته وأقدس ساعاته المباركات لما أسري به إلى السماء ،وهو قول تكريما له وتبجيلا ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) وغير ذلك من مثله من الآيات كثير .
قوله: ( ليكون للعالمين نذيرا ) الضمير في ( ليكون ) عائد على ( عبده ) .وقيل على ( الفرقان ) .والأول أظهر لاستناد الفعل إليه ؛فهو ( ص ) نذير للعالمين ؛أي منذر لهم أو مخوف يبلغهم رسالة ربه ويدعوهم إلى عبادته وحده ،ويخوفهم بطشه وانتقامه ،ويتلو عليهم آيات الله البينات ذات الدلالات الواضحات والإعجاز المستبين .والمراد بالعالمين عموم الإنس والجن ؛فإن محمدا ( ص ) مرسل من ربه إلى الثقلين كافة . وهذه إحدى خصائصه عليه الصلاة والسلام .