{تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} .إننا إذا تطلعنا إلى الله سبحانه في عظمته ورحمته ،فإننا نتطلع إلى الخير الكثير الصادر منه الّذي يملأ الكون والناس والحياة ،لنستغرق في ذلك كله ،فنرى في ذاته ينبوع الخير الذي لا نهاية له ولا انقطاع ،ونتوجه إليه أن يمنحنا منه كل ما نحتاج إليه لارتباط وجودنا بإرادته وبنعمته ورحمته ،ونستوحي من إنزاله القرآن على عبده محمد رسول الله( ص ) كيف ينطلق الخير ليتحرك في توجيه الإنسان إلى ما فيه صلاحه في انفتاحه على الله في آفاق المعرفة ليلتقي بالمسؤولية في حركته في الدنيا السائرة نحو الاخرة من أجل مواجهة نتائج المسؤولية بين يديه ،ما يجعل من التصور للقرآن تصوراً للخير الإِلهي الروحي الذي ينزله على رسوله تماماً كما ينزل المطر على الأرض ليمنحها الخير والبركة التي تنتج الخصب والرخاء .
أمَّا كلمة الفرقان ،فقد تكون تعبيراً عن العمق الفكري والعملي الذي يوحي به القرآن ،ليحدد الفروق الفاصلة بين الحق والباطل ،لئلا تبقى هناك شبهة أمام أيّة قضية من قضايا الحياة التي يختلف فيها الرأي في ما يأخذ به الإنسان أو يتركه من شؤونها العامة والخاصة ..ولم ينزل الله القرآن على عبده ليكون شأناً خاصاً ،بل{لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ..} ،ليستمع إليه الإِنس والجن ،فيخلق في داخلهم الشعور بالخوف من الانحراف عن خط المسؤولية بما تمثله من رضى الله وغضبه في مواقع الرضى والسخط ،وبذلك لا يكون الخوف الذي يثيره القرآن في داخل الإنسان حالة عقدةٍ ذاتية ،بل حالة انطلاقٍ في الفكر والجدّية الواعية من أجل مواجهة الأمور على أساس الموقف الصلب المتحفز الذي يحتاط لكل شيء ،دون أن يهمل أيّ شيءٍ فيه رضى الله ،لا على أساس الاسترخاء الذاتي الذي يدفع بالإنسان إلى التسويف في العمل وفي تقويم الخط وتصحيحه .
وتلك هي قصة النفس الإِنسانية التي لا بد من أن تهزها بعمقٍ في عملية إثارةٍ ،تماماً كما هي الأرض التي إذا أثرتها أعطت كل خير وخصب وحياة .
وإذا كانت كلمة العالمين شاملة لكل أصناف الخلق من الجماد والنبات والحيوان والإنسان والجن والملك ،فإن المقصود بها في الآية المخلوقات الواعية العاقلة التي تحتاج إلى الإِنذار من أجل أن تتوازن وتستقيم في حركة الحياة .