{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} فلم يعش النبي تجربة اللقاء بهم والحديث معهم ،بل كانت معرفته بالموضوع ناتجةً عن تعريف الله له ذلك من طريق الوحي ،مما قد يثير فينا التفكير حول الكثيرين من الناس الذين يتحدثون عن تجربتهم الحسية مع الجن بشكلٍ تفصيليٍّ شامل ،في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون النبيّ هو الأولى بمثل هذه التجارب ،لا سيّما في ما يتصل بعلاقته بهم من جهة إيمانهم به وبرسالته ،لما يفرضه ذلك من حاجتهم إلى سؤاله والحديث معه ،ومن حاجته إليهم في ما يمكن أن يعاونوه به في التحديات التي واجهته من المشركين ،لا سيّما في مكة التي كانت ساحة اضطهاد الدعوة والمسلمين من قبل المشركين .
ومن خلال ذلك ،قد نستوحي أن العلاقات لم تكن متصلةً بينهم وبين النبي والناس معه أو من بعده ،لأن المرحلة التي كانوا يلتقون فيها ببعض الأنبياء وهو سليمان أو غيره قد انتهت ،مع ملاحظة نقطةٍ مهمة ،وهي أن طبيعة العلاقة بالنبي كانت تفرض حديثاً قرآنياً متنوعاً عن قضاياهم ومسائلهم ،كما جرى الحديث في القرآن عن الناس في ذلك كله .
وهكذا جاء الوحي للنبي ليحدّثهم عن هؤلاء الذين استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن:{فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنَاً عَجَباً} في أسلوبه وحلاوته ومفاهيمه العميقة الرائعة ،