{حم* عسق} من الحروف المقطّعة التي تقدم الحديث عنها في أوائل سورة البقرة ..ونضيف هنا إلى الاحتمالات المذكورة احتمالاً آخر ،وهو ما ذكره في تفسير الميزان ،قال: «والذي لا ينبغي أن يغفل عنه أن هذه الحروف تكررت في سور شتّى وهي تسع وعشرون سورة افتتح بعضها بحرفٍ واحد وهي: «ص » و «ق » ،و «ن » ،وبعضها بحرفين وهي: سورة طه ،وطس ،ويس ،وحم ،وبعضها بثلاثة أحرف كما في سورتي «الم » ،و «الر » ،و«طسم » ،وبعضها بأربعة أحرف ،كما في سورتي «المص » ،و «المر » ،وبعضها بخمسة أحرف ،كما في سورتي «كهيعص » و«حمعسق » .
وتختلف هذه الحروف أيضاً من حيث إن بعضها لم يقع إلا في موضع واحد مثل «ن » ،وبعضها واقعةٌ في مفتتح عدة من السور مثل «الم » ،و «الر » ،و «طس » ،و «حم » .
ثم إنّك إن تدبرت بعض التدبر في هذه السور التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل الميمات والراءات والطواسين والحواميم ،وجدت في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين وتناسب السياقات ما ليس بينها وبين غيرها من السور .
ويؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب الألفاظ كما في مفتتح الحواميم من قوله:{تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أو ما هو في معناه ،وما في مفتتح الراءات من قوله:{تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ} أو ما هو في معناه ،ونظير ذلك واقعٌ في مفتتح الطواسين ،وما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو في معناه .
ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطاً خاصاً ،ويؤيّد ذلك ما نجد أن سورة الأعراف المصدرة ب «المص » في مضمونها ،كأنها جامعةٌ بين مضامين الميمات و«ص » ،وكذا سورة الرعد المصدرة ب«المر » في مضمونها كأنها جامعةٌ بين مضامين الميمات والراءات .
ويستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموزٌ بين الله سبحانه وبين رسوله خفيةً عنا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطاً خاصاً .
ولعل المتدبر ،لو تدبر في مشتركات هذه الحروف وقايس مضامين السور التي وقعت فيها بعضها إلى بعض ،تبين له الأمر أزيد من ذلك .
ولعل هنا ما روته أهل السنة عن علي( ع )على ما في المجمعأن لكل كتاب صفوةً ،وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي »[ 1] .
ولعلنا نلاحظ أن هذا الوجهمع طرافتهلم يستطع أن يعطي معنى لهذه الحروف ،يدخل في التصور التفصيلي للذهن ،كما أننا قد نجد مضامين السور المشتملة على بعض هذه الحروف المشتركة في سور أخرى لم تبدأ بهذه الحروف ،أمّا الحديث عن الرمز الذي يختفي في داخل هذه الحروف ،في ما يمثله من معنى بين الله وبين رسوله ،مما لا تصل أفهامنا إليه ،فقد لا نستطيع التسليم به ،لأن القرآن ليس رسالةً خاصةً من الله إلى رسوله ،ليشتمل على الرموز الخفية التي يفهمها المرسل إليه دون الناس ،كما يحدث في الرسائل الخاصة ،بل هو كتاب هدى للناس كافة ،فلا بد من أن يكون الرمز الذي يشتمل عليه ،مما يتصل مضمونه بجميع الناس .والله العالم .