قرأ قارئ:{ إذا الشمس كورت} ، وفي الحاضرين أبو الوفاء بن عقيل . فقال له قائل:يا سيدي ، هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب ، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب ، فلم هدم الأبنية وسير الجبال ، ودك الأرض ، وفطر السماء ، ونثر النجوم ، وكور الشمس ؟
فقال:إنما بني لهم الدار للسكنى والتمتع ، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه:لحسن التأمل والتذكر . فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خربها ، لانتقال الساكن منها . فأراد أن يعلمهم بأن الكونين كان معمورا بهم . وفي إحالة الأحوال ، وإظهار تلك الأهوال ، وبيان المقدرة بعد بيان العزة ، وتكذيب لأهل الإلحاد ، وزنادقة المنجمين ، وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان ، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين . فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت ، وأن معبوداتهم قد انثرت وانفطرت ، ومحالها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم ، وظهر أن العالم مربوب محدث ، مدبر ، له رب يصرفه كيف يشاء ، تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم .
فكم لله تعالى من حكمة في هدم هذه الدار ، ودلالة على عظيم عزته وقدرته ، وسلطانه ، وانفراده بالربوبية ، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره ، وإذعانها لمشيئته . فتبارك الله رب العالمين .