قوله:{إن هذا إلا قول البشر} يعني ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر .أو ما هو إلا كلام الآدميين .وكان ذلك بعد أن لامست روعة القرآن قلب الوليد فأيقن في قرارة نفسه أنه حق وأنه ليس قول بشر ،وكاد يهتف بإعلان الإيمان لولا أن تملّكه الغرور والاستكبار وغشيته نخوة العصبية والتعاظم بأمجاد الآباء بعد أن استنفر في نفسه أبو جهل مشاعر الضلال والباطل ونفخ في أوداجه سورة الجاهلية العمياء .
وذلك أنه لما نزل قوله تعالى:{حم 1 تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} سمعه الوليد يقرأ ذلك فقال: والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ،وإن له لحلاوة ،وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ،وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ،وما يقول هذا بشر .ثم لامه أبو جهل من أجل ذلك ملامة شديدة وقرّعه تقريعا .فقال الوليد: فتزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهّن قط .ولقد رأينا للكهنة أسجاعا وتخالجا فهل رأيتموه كذلك ؟قالوا: لا والله .وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى الصادق الأمين من كثرة صدقه .فقالت قريش للوليد: فما هو ؟ففكر في نفسه ثم نظر ،ثم عبس .فقال: ما هو إلا ساحر !أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ؟.وذلك هو قوله تعالى:{إنه فكر وقدر} وما بعدها من آيات .