البسملة
وهي قوله: بسم الله الرحمن الرحيم ،وقيل في تأويلها: إن بسم الله الرحمن الرحيم قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة يقسم لعباده: إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ،وإني أوفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري .{[6]}
وهل البسملة آية من القرآن ؟ثمة أقوال في هذه المسألة:
القول الأول: ليست البسملة بآية من الفاتحة ولا غيرها ،وهو قول الإمام مالك واحتج لذلك بأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد ،وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا خلاف فيه ،قال ابن العربي في ذلك: يكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها ،والقرآن لا يختلف فيه الناس .
القول الثاني: إنها آية من كل سورة ،وهو قول عبد الله بن المبارك وقد شذ في ذلك .
القول الثالث: وهو للشافعي ،إذ قال هي آية في الفاتحة وحدها ،وفي قول ثان له أنها آية من كل سورة .
القول الرابع: إن البسملة آية من سورة النمل ،وهذا ما لا خلاف فيه .
أما قراءتها في الصلاة فثمة خلاف في ذلك ،فقد قيل بوجوب قراءتها في صلاة الفرض والنفل وهو قول الشافعية والحنابلة وغيرهم ،وذهب آخرون إلى الإسرار بها مع الفاتحة وهو قول الحنفية ،وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير .
وقال به أحمد بن حنبل ،واحتجوا من الأثر بما روي عن أنس قال: « صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر ،فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» .
وذهبت المالكية إلى أن البسملة ليست آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها ،ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها لا سرا ولا جهرا ،ويجوز أن يقرأها في النوافل .
قوله: « بسم الله» الباء زائدة ومعناها الإلصاق ،{[7]} تكتب بسم بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط ،وذلك لكثرة الاستعمال ،بخلاف قوله(اقرأ بسم ربك الذي خلق (فإنها لم تحذف لقلة الاستعمال ،وبسم الله يعني بالله: أي بخلقه وتقديره نصل إلى ما نصل إليه ،وقيل: « بسم الله» يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته .
واللفظ « الله» هو أكبر أسماء الله تعالى ،وهو لا ثني ولا يجمع ،والله اسم للموجود القديم الحق الذي جمع صفات الإلهية والربوبية .
أما الرحمن ،فقيل: إن هذا الاسم غير مشتق ،لأنه من الأسماء المختصة بالله سبحانه ،ولو كان مشتقا لعرفته العرب ،ولم ينكروه حين سمعوه قالوا ( وما الرحمن(وقيل: الرحمن مشتق من الرحمة مبني على المبالغةومعناه: ذو الرحمة الذي ليس له فيها نظير ،ولذلك لا يثنى ولا يجمع مثلما يثنى الرجيم ويجمع ،والراجح اشتقاقه ،لما خرجه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ،فمن وصلها وصلته ،ومن قطعها قطعته ،وهذا نص يدل على الاشتقاق .
على أن الرحمن مختص بالله جلاله ،ولا يجوز أن يسمى به أحد غير الله ،ويدل على ذلك قوله:
(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن(فعادل اسم الرحمن اسم الله الذي لا يتسمى به أحد غيره .{[8]}