( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة:259 )
التفسير:
قوله تعالى:{أو كالذي مر على قرية}؛{أو}: حرف عطف ؛والكاف: قيل إنها زائدة للتوكيد ؛وقيل: إنها اسم بمعنى «مثل » ؛وعلى كلا القولين فهي معطوفة على{الذي} في قوله تعالى:{ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} [ البقرة: 258]؛يعني: أو ألم تر إلى مثل الذي مر - إذا جعلنا الكاف بمعنى «مثل » ؛فإن جعلنا الكاف زائدة ،فالتقدير: أو ألم تر إلى الذي مر على قرية ...إلخ .
وفي قوله تعالى:{أنى يحيي هذه الله بعد موتها} تقديم المفعول على الفاعل ؛لأن{هذه} مفعول مقدم ؛ولفظ الجلالة فاعل مؤخر .
قوله تعالى:{مائة} منصوبة على أنها نائبة مناب الظرف ؛لأنها مضافة إليه ؛والظرف هي كلمة{عام}؛وهي متعلقة ب{أماته}؛وقيل: متعلقة بفعل محذوف ؛والتقدير: فأبقاه مائة عام ؛قالوا: لأن الموت لا يتأجل ؛الموت موت ؛ولكن الذي تأجل هو بقاؤه ميتاً مائة عام .
قوله تعالى:{كم لبثتَ قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم قال بل لبثتَ}: اختلفت الحركة في التاء باعتبار من ترجع إليه ؛و{كم} مفعول مقدم ل{لبثت}؛يعني: كم مدة لبثت .
قوله تعالى:{لم يتسنه} فيها قراءتان:{لم يتسنَّه} بالهاء الساكنة ؛و{لم يتسنَّ} بحذفها عند الوصل ؛فالقراءتان تختلفان في حال الوصل ؛لا في حال الوقف ؛في حال الوقف: بالهاء الساكنة على القراءتين:{لم يتسنَّه}؛وفي حال الوصل: بحذف الهاء في قراءة سبعية:{لم يتسنَّ وانظر} .
قوله تعالى:{ولنجعلك آية للناس}؛الواو حرف عطف ؛والمعطوف عليه محذوف دل عليه السياق ؛والتقدير ؛لتعلم قدرة الله ،ولنجعلك آية للناس .
قوله تعالى:{أعلم} بفتح الهمزة على أنه فعل مضارع ؛فالجملة خبرية ؛والقراءة الثانية «اعْلمْ » بهمزة الوصل على أنه فعل أمر ؛وعلى هاتين القراءتين يختلف عود الضمير في{قال}؛فعلى القراءة الأولى مرجعه{الذي مر على قرية}؛وعلى الثانية يرجع إلى الله .
وقد اختلف المفسرون في تعيين القرية ،والذي مر بها ؛وهو اختلاف لا طائل تحته ؛إذ لم يثبت فيه شيء عن معصوم ؛والمقصود العبرة بما في هذه القصة - لا تعيين الرجل ،ولا القرية - ومثل هذا الذي يأتي مبهماً ،ولم يعين عن معصوم ،طريقنا فيه أن نبهمه كما أبهمه الله عز وجل .
قوله تعالى:{أو كالذي مر على قرية}: «القرية » مأخوذة من القَرْي ؛وهي الجمع ؛وتطلق على الناس المجتمعين في البلد ؛وتطلق على البلد نفسها - حسب السياق - فمثلاً في قوله تعالى:{قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية} [ العنكبوت: 31] المراد ب «القرية » هنا المساكن ؛لأنه تعالى قال:{أهل هذه القرية}؛وأما في قوله تعالى:{فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة} فالمراد ب «القرية » هنا أهلها ؛والدليل قوله تعالى:{أهلكناها} ،وقوله تعالى:{وهي ظالمة}: وهذا لا يوصف به البلد .
فتبين أن القرية يراد بها أحياناً البلد التي هي محل مجتمع الناس ؛ويراد بها القوم المجتمعون - على حسب السياق ؛وكما قال أولاد يعقوب لأبيهم:{واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} [ يوسف: 82]: فالمراد ب «القرية » هنا أهلها ؛والدليل قوله تعالى:{واسأل القرية}؛لأن السؤال لا يمكن أن يوجه إلى القرية التي هي البناء ؛وإذا كانت «القرية » تطلق على أهل القرية بنص القرآن فلا حاجة إلى أن نقول: هذا مجاز أصله: واسأل أهل القرية ؛لأنا رأينا في القرآن الكريم أن «القرية » يراد بها الساكنون .
قوله تعالى:{وهي خاوية على عروشها} جملة حالية في محل نصب ؛ومعناها أنه ساقط بعضها على بعض ليس فيها ساكن .
قوله تعالى:{أنى يحيي هذه الله بعد موتها}؛{أنى} اسم استفهام للاستبعاد ؛وسياق الآية يرجحه ؛أي أنه استبعد حسب تصوره أن الله سبحانه وتعالى يعيد إلى هذه القرية ما كان سابقاً ،وقال: كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها ؛وقال بعضهم: إنه للاستعجال ،والتمني ؛كأنه يقول: متى يحيي الله هذه القرية بعد موتها وقد كانت بالأمس قرية مزدهرة بالسكان ،والتجارة ،وغير ذلك ؛فمتى يعود عليها ما كان قبل .
قوله تعالى:{فأماته الله} أي قبض روحه .
قوله تعالى:{مائة} فيها ألف بين الميم ،والهمزة ؛والميم مكسورة ،والألف عليها دائرة إشارة إلى أن الألف هذه تكتب ،ولا ينطق بها ؛وبهذا نعرف خطأ من ينطقون بها: «مَائة » بميم مفتوحة ؛ومن قرأ بها في القرآن فقد لحن لحناً يجب عليه أن يعدله ؛وبعض الكتاب المعاصرين يكتبها بدون ألف ك «فِئة » يعني: ميم ،وهمزة ،وتاء ؛وهذا أحسن إلا في رسم المصحف ؛فيتبع الرسم العثماني ؛وإلا إذا أضيف إليها عدد ك «ثلاثمائة » و«أربعمائة » ؛فتكتب الألف ،ولا ينطق بها .
قوله تعالى:{عام} مشتقة من العوم ؛وهو السباحة ؛لأن الشمس تسبح فيه على الفصول الأربعة ؛وهي الربيع ؛الصيف ؛الخريف ؛الشتاء ؛كل واحد من هذه الفصول له ثلاثة من البروج المذكورة في قوله:
حملٌ فثور فجوزاء فسرطان فأسد سنبلة ميزان فعقرب قوس فجدي فكذا دلو وذي آخرها الحيتان هذه اثنا عشر برجاً للفصول الأربعة ؛كل واحد من الفصول له ثلاثة ؛وقيل: إن كلمة{عام} غير مشتقة ؛فهي مثل كلمة «باب » و«ساج » و«سنة » ؛وما أشبه ذلك من الكلمات التي ليس لها اشتقاق ؛وأياً كان فالمعنى معروف .
قوله تعالى:{ثم بعثه} أي أحياه ؛ولعل قائلاً يقول: إن المتوقع أن يقول: «ثم أحياه » ليقابل{أماته} ؛لكن «البعث » أبلغ ؛لأن «البعث » فيه سرعة ؛ولهذا نقول: انبعث الغبار بالريح ،وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على أن الشيء يأتي بسرعة ،واندفاع ؛فهذا الرجل بعثه الله بكلمة واحدة ؛قال مثلاً: «كن حياً » ،فكان حياً .
قوله تعالى:{قال كم لبثت}؛القائل هو الله عز وجل ؛يعني كم لبثت من مدة ؛والمدة مائة عام .
قوله تعالى:{قال لبثت يوماً أو بعض يوم}؛{أو} للشك ؛قال العلماء: وإنما قال ذلك ؛لأن الله أماته في أول النهار ،وأحياه في آخر النهار ؛فقال: لبثت يوماً إن كان هذا هو اليوم الثاني من موته ؛أو بعض يوم إن كان هو اليوم الذي مات فيه .
قوله تعالى:{بل لبثت مائة عام}؛{بل} هذه للإضراب الإبطالي ؛يعني لم تلبث يوماً ،أو بعض يوم ؛بل لبثت مائة عام .
قوله تعالى:{فانظر} أي بعينك{إلى طعامك}: أبهمه الله عز وجل فلم يبين من أي نوع هو ؛و «الطعام » كل ما له طعم من مأكول ،ومشروب ؛لكنه إذا قرن بالشراب صار المراد به المأكول .
قوله تعالى:{وشرابك}: لم يبين نوع الشراب ؛{لم يتسنه} أي لم يتغير .
قوله تعالى:{وانظر إلى حمارك} أي انظر إليه بعينك ؛فنظر إلى حماره تلوح عظامه ليس فيه لحم ،ولا عصب ،ولا جلد .
قوله تعالى:{ولنجعلك آية للناس} أي لنصيِّرك علامة للناس على قدرتنا .
قوله تعالى:{وانظر إلى العظام كيف ننشزها}؛وفي قراءة: «ننشرها » بالراء ؛{ننشزها} بالزاي يعني: نركب بعضها على بعض ؛من النشَز ؛وهو الارتفاع ،كقوله تعالى:{وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} [ النساء: 128]؛ف{ننشزها} يعني: نعلي بعضها على بعض ؛فنظر إلى العظام يأتي العظم ،ويركب على العظم الثاني في مكانه حتى صار الحمار عظاماً ؛كل عظم منها راكب على الآخر في مكانه ،ثم بعد ذلك كسا الله العظام لحماً بعد أن أنشز بعضها ببعض بالعصب ؛أما قراءة «ننشرها » بالراء فمعناها: نحييها ؛لأن العظام قد يبست ،وصارت كالرميم ليس فيها أيّ مادة للحياة ،ثم أحييت بحيث صارت قابلة لأن يركب بعضها على بعض .
قوله تعالى:{ثم نكسوها لحماً} أي نسترها باللحم ؛فشاهد ذلك بعينه ،فاجتمع عنده آيتان من آيات الله ؛إبقاء ما يتغير على حاله - وهو طعامه ،وشرابه ؛وإحياء ما كان ميتاً - وهو حماره .
قوله تعالى:{فلما تبين له} أي تبين لهذا الرجل - الذي مر على القرية ،واستبعد أن يحييها الله بعد موتها ؛أو استبطأ أن الله سبحانه وتعالى يحييها بعد موتها ،وحصل ما حصل من آيات الله عز وجل بالنسبة له ،ولحماره ،ولطعامه ،وشرابه - تبين له الأمر الذي تحقق به قدرة الله عز وجل .
قوله تعالى:{قال أعلم أن الله على كل شيء قدير}؛وفي قراءة:{اعلم أن الله على كل شيء قدير}؛والفائدة من القراءتين: كأنه أُمر أن يعلم ،فعلم ،وأقر ؛و«العلم » - كما سبق - هو إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً لما هو عليه ؛وعدم الإدراك هو الجهل البسيط ؛وإدراك الشيء على غير ما هو عليه: هو الجهل المركب ؛وعدم الجزم: شك ؛أو ظن ؛أو وهم ؛فإن تساوى الأمران فهو شك ؛وإن ترجح أحدهما فالراجح ظن ؛والمرجوح وهم .
و«القدرة » صفة تقوم بالقادر بحيث يفعل الفعل بلا عجز ؛لقوله تعالى:{وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} [ فاطر: 44]: لما نفى أن يعجزه شيء قال تعالى:{إنه كان عليماً قديراً} فلما نفى العجز ،ذكر القدرة ،والعلم مقابلها .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: بلاغة القرآن ،حيث ينوع الأدلة ،والبراهين على الأمور العظيمة ؛لقوله تعالى:{أو كالذي مر على قرية}؛فهذه الآية وما قبلها ،وما بعدها كلها في سياق قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى .
2 - ومنها: الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يهتم الإنسان بأعيان أصحاب القصة ؛إذ لو كان هذا من الأمور المهمة لكان الله يبين ذلك: يقول: فلان ؛ويبين القرية .
3 - ومنها: أن العبرة بالمعاني والمقاصد دون الأشخاص .
4 - ومنها: إطلاق القرية على المساكن ؛لقوله تعالى:{وهي خاوية على عروشها} مع أنه يحتمل أن يراد بهذه الآية المساكن ،والساكن ؛لأن كونها خاوية على عروشها يدل على أن أهلها أيضاً مفقودون ،وأنهم هالكون .
5 - ومنها: قصور نظر الإنسان ،وأنه ينظر إلى الأمور بمعيار المشاهَد المنظور لديه ؛لقوله هذا الرجل:{أنى يحيي هذه الله بعد موتها}؛فكونك ترى أشياء متغيرة لا تستبعد أن الله عز وجل يزيل هذا التغيير ؛وكم من أشياء قدَّر الناس فيها أنها لن تزول ،ثم تزول ؛كم من أناس أمَّلوا دوام الغنى ،ودوام الأمن ،ودوام السرور ،ثم أعقبه ضد ذلك ؛وكم من أناس كانوا على شدة من العيش ،والخوف ،والهموم ،والغموم ،ثم أبدلهم الله سبحانه وتعالى بضد ذلك .
6 - ومن فوائد الآية: أن الإنسان إذا استبعد وقوع الشيء - ولكنه لم يشك في قدرة الله - لا يكفر بهذا .
7 - ومنها: بيان قدرة الله عز وجل في إماتة هذا الرجل لمدة معينة ،ثم إحيائه ؛لقوله تعالى:{فأماته الله مائة عام ثم بعثه} .
8 - ومنها: إثبات الكلام لله عز وجل ،والقول ،وأنه بحرف ،وصوت مسموع ؛لقوله تعالى:{قال كم لبثت} ؛والأولى الأخذ بظاهر القرآن ،وأن القائل هو الله عز وجل .
9 - ومنها: جواز امتحان العبد في معلوماته ؛لقوله تعالى:{كم لبثت} .
10 - ومنها: الرد على الأشاعرة الذين قالوا: «إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه ،وأن هذه الأصوات التي سمعها موسى ،ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - وغيرهما ممن كلمه الله هي أصوات خلقها الله عز وجل لتعبر عما في نفسه » ؛وأن هذا القول مقتضاه إنكار القول من الله عز وجل .
11 - ومنها: بيان حكمة الله ،حيث أمات هذا الرجل ،ثم بعثه ليتبين له قدرة الله عز وجل .
12 - ومنها: جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه ،وأنه إذا خالف الواقع لا يعد مخطئاً ؛لقوله تعالى:{قال لبثت يوماً أو بعض يوم} مع أنه لبث مائة عام .
13 - ومنها: أن الله قد يمنّ على عبده بأن يريه من آياته ما يزداد به يقينه ؛لقوله تعالى:{فانظر إلى طعامك ...} إلخ .
14 - ومنها: أن قدرة الله فوق ما هو معتاد من طبيعة الأمور ،حيث بقي هذا الطعام والشراب مائة سنة لم يتغير .
15 - ومنها: الرد على أهل الطبيعة الذين يقولون: إن السنن الكونية لا تتغير ؛لقوله تعالى:{لم يتسنه}: لكون هذا الطعام ،والشراب لم يتغير لمدة مائة سنة ،والرياح تمر به ،والشمس ،والحر .
16 - ومنها: جواز الانتفاع بالحُمُرِ ؛لقوله تعالى:{وانظر إلى حمارك} .
17 - ومنها: ثبوت الملكية فيها: لأن الله أضاف الحمار إلى صاحبه ؛فقال تعالى:{حمارك}؛فإن قلت: كيف تجمع بين هذا وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه »{[479]} ؛وإثبات الملكية يقتضي حل الثمن ؟
فالجواب: أنها إذا بيعت للأكل فهو حرام ؛لأنه هو المحرم ؛وأما إذا بيعت للانتفاع فهذا حلال ؛لأن الانتفاع بها حلال ؛إذاً فهذا لا يعارض الحديث ؛فإذا اشترى الحمار للأكل فالثمن حرام ؛وإن اشتراه للمنفعة فالمنفعة حلال ،وثمنها حلال .
18 - ومن فوائد الآية: أن الله يحدث للعبد ما يكون عبرة لغيره ؛لقوله تعالى:{ولنجعلك آية للناس}؛ومثل ذلك قوله تعالى في عيسى بن مريم ،وأمه:{والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين} [ الأنبياء: 91] .
19 - ومنها: أنه ينبغي التفكر فيما خلقه الله عز وجل ،وأحدثه في الكون ؛لأن ذلك يزيد الإيمان ،حيث إن هذا الشيء آية من آيات الله .
20 - ومنها: أنه ينبغي النظر إلى الآيات على وجه الإجمال ،والتفصيل ؛لقوله تعالى:{وانظر إلى حمارك}: مطلق ؛ثم قال تعالى:{وانظر إلى العظام كيف ننشزها ...} إلخ ؛فيقتضي أن نتأمل أولاً في الكون من حيث العموم ،ثم من حيث التفصيل ؛فإن ذلك أيضاً يزيدنا في الإيمان .
21 - ومنها: أن الله عز وجل جعل اللحم على العظام كالكسوة ؛بل هو كسوة في الواقع ؛لقوله تعالى:{ثم نكسوها لحماً} ،وقال تعالى:{فكسونا العظام لحماً} [ المؤمنون: 14]؛ولهذا تجد اللحم يقي العظام من الكسر والضرر ؛لأن الضرر في العظام أشد من الضرر في اللحم .
22 - ومنها: أن الإنسان بالتدبر ،والتأمل ،والنظر يتبين له من آيات الله ما لا يتبين لو غفل ؛لقوله تعالى:{فلما تبين له ...} إلخ .
23 - ومنها: بيان عموم قدرة الله عز وجل ؛لقوله تعالى:{على كل شيء قدير} .
24 - ومنها: الرد على القدرية ؛لقوله تعالى:{على كل شيء قدير}؛لأن من الأشياء فعل العبد ؛والله سبحانه وتعالى قادر على فعل العبد ؛وعند القدرية المعتزلة أن الله ليس بقادر على أفعال العبد ؛لأن العبد عندهم مستقل خالق لفعله ،وأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق أفعاله .
25 - ومنها: الرد على منكري قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل ؛لقوله تعالى:{فأماته الله ...ثم بعثه}؛وهذه أفعال متعلقة بمشيئته ،واختياره: متى شاء فعل ،ومتى شاء لم يفعل ؛متى شاء خلق ،ومتى شاء أمات ؛ومتى شاء أذل ،متى شاء أعز .
26 - ومنها: أن كلام الله عز وجل بحروف ،وأصوات مسموعة ؛لقوله تعالى:{كم لبثت} ،وقوله تعالى:{بل لبثت مائة عام}؛فإن مقول القول حروف بصوت سمعه المخاطَب ،وأجاب عليه بقوله:{لبثت يوماً أو بعض يوم}؛ولكن الصوت المسموع من كلام الله عز وجل ليس كصوت المخلوقين ؛الحروف هي الحروف التي يعبر بها الناس ؛لكن الصوت: لا ؛لأن الصوت صفة الرب عز وجل ؛والله سبحانه وتعالى يقول:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [ الشورى: 11] .
27 - ومنها: أنه يلزم من النظر في الآيات العلم ،واليقين ؛لقوله تعالى:{فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} .
28 - ومنها: أنه يمكن الرد على الجبرية على قراءة: «اعلم »؛لأنه لو كان الإنسان مجبوراً لكان توجه الخطاب إليه بالأمر والتكليف ،لغواً وعبثاً .
29 - ومنها: ثبوت كرامات الأولياء ؛وهي كل أمر خارق للعادة يجريه الله عز وجل على يد أحد أوليائه تكريماً له ،وشهادةً بصدق الشريعة التي كان عليها ؛ولهذا قيل: كل كرامة لوليّ فهي آية للنبي الذي اتبعه ؛و«الولي » كل مؤمن تقي ؛لقوله تعالى:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون} [ يونس: 62 ،63] .
30 - ومنها: وجوب العلم بأن الله على كل شيء قدير .