( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
( البقرة:258 )
التفسير:
قوله تعالى:{ألم تر} الهمزة للاستفهام ؛والمراد به هنا التقرير ،والتعجيب ؛«التقرير » يعني تقرير هذا الأمر ،وأنه حاصل ؛و«التعجيب » معناه: دعوة المخاطَب إلى التعجب من هذا الأمر العجيب الغريب الذي فيه المحاجة لله عز وجل ؛{تر} أي تنظر نظر قلب ؛لأنه لم يدرك زمنه حتى يراه بعينه ؛والخطاب في قوله تعالى:{ألم تر} إما للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ؛وإما لكل من يتأتى خطابه ممن نزل عليهم القرآن ؛وهذا أعم ؛وقد ذكرنا قبل ذلك أن ما جاء بلفظ الخطاب في القرآن فله ثلاث حالات ؛إما أن يدل الدليل على أنه للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ،وللأمة ؛أو يدل الدليل على أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ؛أو لا يكون هذا ،ولا هذا: والحكم فيه أنه عام للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ،ولغيره ؛ولكن هل هذا الخطاب المعين يراد به الأمة ،وخوطب إمامها لأنهم تبع له ؛أو يراد به النبي صلى الله عليه وسلم ،وغيره يفعله على سبيل الأسوة ؟قولان لأهل العلم ؛ومؤادهما واحد ؛فمن أمثلة ما دل الدليل على أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك} [ الشرح: 1 ،2]؛ومن الأمثلة التي دل الدليل على أنه للرسول ،ولغيره قوله تعالى:{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} [ الطلاق:]؛فوجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم قال تعالى:{إذا طلقتم} وهو عام ؛فدل على أن المراد به العموم ؛ومما يحتمل ،مثل قوله تعالى:{ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك} [ الزمر: 65]؛فهذا يحتمل أنه للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ؛ولكن أمته تبع له ؛وهو ظاهر اللفظ - وإن كان هذا الشرك لا يقع منه ؛لأن «إنْ » قد يراد بها فرض الشيء دون وقوعه - وهنا{ألم تر} يحتمل الأمرين ؛يعني: ألم تنظر يا محمد ،أو: ألم تنظر أيها المخاطب .
قوله تعالى:{إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}؛ذكر «إبراهيم » في الآية ثلاث مرات ؛وفيها قراءتان:{إبراهيم} ،و{إبراهام}؛وهما سبعيتان ؛و{حاج}: هذه صيغة مفاعلة ؛وصيغة المفاعلة لا تكون غالباً إلا بين اثنين ،ك«قاتل » ،و«ناظر » ،و«دافع » - أقول: غالباً ؛لئلا يرد علينا مثل: «سافر » ؛فإنها من واحد ؛ومعنى «حاجه » أي ناظره ،وأدلى كل واحد بحجته ؛و«الحجة » هي الدليل ،والبرهان ؛و{في ربه} أي في وجوده ،وفي ألوهيته ؛فإبراهيم يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ؛وهذا ينكر الله رأساً - كما أنكره من بعده فرعون - وقال: أين الدليل على وجود ربك ؟
قوله تعالى:{أن آتاه الله الملك}:{أن} مصدرية دخلت على الفعل الماضي ؛وإذا دخلت على الفعل الماضي لا تنصبه ؛لكنها لا تمنع أن يسبك بمصدر ؛والتقدير هنا: أنه حاج إبراهيم لكونه أُعطي مُلكاً ؛و «أل » في قوله تعالى:{الملك} الظاهر أنها لاستغراق الكمال - أي ملكاً تاماً لا ينازعه أحد في مملكته ؛لأن الله لم يعطه ملك السموات ،والأرض ؛بل ولا ملك جميع الأرض ؛وبهذا نعرف أن فيما ذُكر عن بعض التابعين من أنه ملك الأرض أربعة - اثنان مؤمنان ؛واثنان كافران - نظراً ؛ولم يُمَلِّك الله جميع الأرض لأيّ واحد من البشر ؛ولكن يُمَلِّك بعضاً لبعض ؛والله عز وجل يقول:{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [ البقرة: 251]؛أما أن يَملِك واحد من البشر جميع الأرض فهذا مستحيل في سنة الله عز وجل فيما نعلم .
فهذا رجل ملك - ولا يعنينا أن نعرف اسمه: أهو «نُمروذ بن كنعان » ،أم غيره ؛المهم هو القصة - لما آتاه الله ملكاً دام مدة طويلة ،وملك أراضي واسعة ملكاً تاماً لا ينازعه أحد - وكما قال تعالى:{إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ...} [ يونس: 24] الآية - استطال والعياذ بالله ،واستكبر ،وعلا ،وأنكر وجود العلي الأعلى ،فكان يحاج إبراهيم لطغيانه بأن آتاه الله الملك ؛وقد قال الله سبحانه وتعالى:{كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} [ العلق: 6 ،7]؛إذا رأى الإنسان نفسه استغنى فقد يطغى ،ويزيد عتوه ،وعناده .
قوله تعالى:{إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت}: هذا بيان المحاجة ؛وهذه لا شك - كما يُعلم من سياق اللفظ - أنها جواب لسؤال ؛كأنه قال: ما ربك ؟أو: من هو ؟أو: ما شأنه ؟أو: ما فعله ؟فقال:{ربي الذي يحيي ويميت} كما قال فرعون لموسى:{وما رب العالمين * قال رب السموات والأرض ...} [ الشعراء: 23 ،24] ،ومعنى «الرب » الخالق المالك المدبر ؛وهذه الأوصاف لا تثبت على الكمال ،والشمول إلا لله عز وجل ؛و{يحيي ويميت} أي يجعل الجماد حياً ؛ويميت ما كان حياً ،فبينما نرى الإنسان ليس شيئاً مذكوراً إذا به يكون شيئاً مذكوراً ،كما قال تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً} [ الإنسان: 1]؛ثم يبقى في الأرض ؛ثم يُعدَم ويَفنى ،فإذا هو خبر من الأخبار:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامرُ بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار قال إبراهيم هذا الكلام ؛كأنه يقول له: هو الذي يوجِد ،ويعدِم ؛ثم أتى بمثال - وهو الإحياء والإماتة التي لا يقدر عليها أحد ؛لكن هذا المعاند المكابر قال:{أنا أحيي وأميت}؛قالها إما تلبيساً ؛وإما مكابرة ؛إما تلبيساً كما قاله أكثر المفسرين ؛وقالوا: إنه أتى باثنين ،فقتل أحدهما ،وأبقى الآخر ،فقال: «أمتّ الأول ،وأحييت الثاني » ؛هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين ؛وعلى هذا فيكون قوله:{أنا أحيي وأميت} تلبيساً ؛والحقيقة أنه ما أحيا ،ولا أمات هنا ؛وإنما فعل ما يكون به الموت في دعوى الإماتة ؛واستبقى ما كان حياً في دعواه الإحياء ؛فلم يوجِد حياة من عنده ؛وقال بعضهم: بل قال ذلك مكابرة ؛يعني: هو يعلم أنه لا يحيي ،ولا يميت ؛كأنه يقول لإبراهيم: إذا كان ربك يحيي ويميت فأنا أحيي ،وأميت ؛ثم إن إبراهيم عليه السلام انتقل إلى أمر لا يمكن الجدال فيه ،فقال:{إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} .
قوله تعالى ؛{فبهت الذي كفر} أي تحير ،واندهش ،ولم يحرِ جواباً ؛فغلب إبراهيم الذي كفر ؛لأن وقوف الخصم في المناظرة عجز .
قوله تعالى:{والله لا يهدي القوم الظالمين} أي لا يوفقهم للهداية .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: بلاغة القرآن الكريم في عرض الأمور العجيبة معرض التقرير ،والاستفهام ؛لأن «التقرير » يحمل المخاطَب على الإقرار ؛و«الاستفهام » يثير اهتمام الإنسان ؛فجمع بين الاستفهام ،والتقرير .
2 - ومنها: بيان كيف تصل الحال بالإنسان إلى هذا المبلغ الذي بلغه هذا الطاغية ؛وهو إنكار الحق لمن هو مختص به ،وادعاؤه المشاركة ؛لقوله:{أنا أحيي وأميت} .
3 - ومنها: أن المحاجة لإبطال الباطل ،ولإحقاق الحق من مقامات الرسل ؛لقوله تعالى:{ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} .
4 - ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم طرق المناظرة ،والمحاجة ؛لأنها سُلَّم ،ووسيلة لإحقاق الحق ،وإبطال الباطل ؛ومن طالع كتب شيخ الإسلام ونحوها تعلَّم المناظرة - ولو لم يدرسها فناً .
5 - ومنها: أن النعم قد تكون سبباً للطغيان ؛لأن هذا الرجل ما طغى وأنكر الخالق إلا لأن الله آتاه الملك ؛ولهذا أحياناً تكون الأمراض نعمة من الله على العبد ؛والفقر والمصائب تكون نعمة على العبد ؛لأن الإنسان إذا دام في نعمة ،وفي رغد ،وفي عيش هنيء فإنه ربما يطغى ،وينسى الله عز وجل .
6 - ومنها: صحة إضافة الملكية لغير الله ؛لقوله تعالى:{أن آتاه الله الملك} .
7 - ومنها: أن ملك الإنسان ليس ملكاً ذاتياً من عند نفسه ؛ولكنه معطى إياه ؛لقوله تعالى:{أن آتاه الله الملك} ؛وهذه الآية كقوله تعالى:{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء} [ آل عمران: 26] .
8 - ومنها: فضيلة إبراهيم ( ص ) ،حيث قال مفتخراً ،ومعتزاً أمام هذا الطاغية:{ربي}؛فأضافه إلى نفسه ،كأنه يفتخر بأن الله سبحانه وتعالى ربه .
9 - ومنها: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل ؛لقوله تعالى:{يحيي ويميت}؛وهذه المسألة أنكرها كثير من علماء الكلام ؛وعللوا ذلك بعلل عليلة ؛بل ميتة لا أصل لها ؛لأنهم قالوا: إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث ؛وإن الحوادث إن كانت كمالاً كان فقدها نقصاً ؛وإن كانت نقصاً فكيف يتصف الله بها !إذاً هي ممتنعة ؛لأنها نقص على كل تقدير ؛وحينئذٍ يجب أن ننزه الله عنها ،وأن تكون ممتنعة عليه ؛والجواب عن ذلك أن قولكم: «الحوادث لا تقوم إلا بحادث » مجرد دعوى ؛ونحن نعلم أن الحوادث تحدث منا ،ولكنها ليست سابقة بسبقنا ؛ولا يعد ذلك فينا نقصاً ؛فالحوادث تحدث بعد مَن أحدثها ؛ولا مانع من ذلك ؛فمن الممكن أن يكون المتصف بها قديماً وهي حادثة ؛وأما قولكم: «إنها إن كانت كمالاً كان فقدها نقصاً ؛وإن كانت نقصاً فكيف يوصف بها » ؟فنقول: هي كمال حال وجودها ؛فإذا اقتضت الحكمة وجودها كان وجودها هو الكمال ؛وإذا اقتضت الحكمة عدمها كان عدمها هو الكمال .
10 - ومن فوائد الآية: أن الإحياء والإماتة بيد الله عز وجل ؛لقوله تعالى:{يحيي ويميت}؛إذاً فاعتمد على الله عز وجل ،ولا تخف ،ولا تقدر أسباباً وهمية ؛مثلاً دعيت إلى أيّ عمل صالح فقلت: أخشى إن عملت هذا العمل أن أموت ؛نقول: هذا إذا كان مجرد وهم فإن هذه الخشية لا ينبغي أن يبني عليها حكماً ،بحيث تمنعه من أمر فيه مصلحته ،وخيره .
11 - ومنها: أن الإنسان المجادل قد يكابر فيدعي ما يعلم يقيناً أنه لا يملكه ؛لقول الرجل الطاغية:{أنا أحيي وأميت}؛ومعلوم أن هذا إنما قاله في مضايقة المحاجة ؛والإنسان في مضايقة المحاجة ربما يلتزم أشياء هو نفسه لو رجع إلى نفسه لعلم أنها غير صحيحة ؛لكن ضيق المناظرة أوجب له أن يقول هذا إنكاراً ،أو إثباتاً .
12 - ومنها: حكمة إبراهيم ( ص ) ،وجودته في المناظرة سواء قلنا: إن هذا من باب الانتقال من حجة إلى أوضح منها ،أو قلنا: إنه من باب تفريع حجة على حجة .
13 - ومنها: الرد على علماء الهيئة الذين يقولون: إن إتيان الشمس ليس إتياناً لها بذاتها ؛ولكن الأرض تدور حتى تأتي هي على الشمس ؛ووجه الرد أن إبراهيم قال:{فإن الله يأتي بالشمس من المشرق}؛إذاً الله أتى بها من المشرق ؛وهم يقولون: إن الله لم يأت بها من المشرق ؛ولكن الأرض بدورتها اطلعت عليها ؛ونحن نقول: إن الله لم يقل: إن الله يدير الأرض حتى تُرى الشمس من المشرق ؛فأدرها حتى تُرى من المغرب !ويجب علينا أن نأخذ في هذا الأمر بظاهر القرآن ،وألا نلتفت لقول أحد مخالف لظاهر القرآن ؛لأننا متعبدون بما يدل عليه القرآن ؛هذا من جهة ؛ولأن الذي أنزل القرآن أعلم بما خلق: قال الله تعالى:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [ الملك: 14]؛فإذا كان يقول في كلامه إن الشمس: «تأتي » ،و«تطلع » ،و«تغرب » ،و«تزول » ،و«تتوارى » ؛كل هذه الأفعال يضيفها إلى الشمس ؛لماذا نحن نجعلها على العكس من ذلك ،ونضيفها إلى الأرض !!!ويوم القيامة سيقول الله لنا:{ماذا أجبتم المرسلين} [ القصص: 65]؛لا يقول: ماذا أجبتم العالم الفلكي الفلاني ؛على أن علماء الفلك قديماً ،وحديثاً مختلفون في هذا ؛لم يتفقوا على أن الأرض هي التي بدورانها يكون الليل ،والنهار ؛وما دام الأمر موضع خلاف بين الفلكيين أنفسهم ؛فإننا نقول كما نقول لعلماء الشرع إذا اختلفوا: «إن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول » ؛بل نقول: لو جاء علماء الفلك بأجمعهم ما عدلنا عن ظاهر القرآن حتى يتبين لنا أمر محسوس ؛وحينئذ نقول لربنا إذا لاقيناه: إنك قلت - وقولك الحق:{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} ،وقلت:{اتقوا الله ما استطعتم} [ التغابن: 16]؛ونحن ما وسعنا إلا أن نقول: إن قولك:{وترى الشمس إذا طلعت} [ الكهف: 17] أي إذا طلعت رأي العين ؛لا في حقيقة الواقع ؛لأننا علمنا بحسنا ،وبصرنا بأن الذي يكون به تعاقب الليل ،والنهار هو دوران الأرض ؛أما والحس لم يدل على هذا ؛ولكنه مجرد أقيسة ونظريات ،فإنني أرى أنه لا يجوز لأحد أن يعدل عن كلام ربه الذي خلق ،والذي أنزل القرآن تبياناً لكل شيء لمجرد قول هؤلاء .
14 - ومن فوائد الآية: أن الحق لا تمكن المجادلة فيه ؛لقوله تعالى:{فبهت الذي كفر} .
15 - ومنها: إثبات أن من جحد الله فهو كافر ؛لقوله تعالى:{فبهت الذي كفر}؛وهذه هي النكتة في الإظهار مقام الإضمار ؛لأجل أن نقول: كل من جادل كما جادل هذا الرجل فهو كافر .
16 - ومنها: الإشارة إلى أن محاجة هذا الرجل محاجة بباطل ؛لقوله تعالى:{الذي كفر}؛لأن الذين كفروا هم الذين يحاجون حجة باطلة ؛قال الله تعالى:{ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق} [ الكهف: 5] .
17 - ومنها: الرد على القدرية ؛لقوله تعالى:{والله لا يهدي القوم الظالمين}؛لأنهم يقولون: إن الإنسان حرّ: يهتدي بنفسه ،ويضل بنفسه ؛وهذه الآية واضحة في أن الهداية بيد الله .
18 - ومنها: التحذير من الظلم ؛لقوله تعالى:{والله لا يهدي القوم الظالمين}؛ومن الظلم أن يتبين لك الحق فتجادل لنصرة قولك ؛لأن العدل أن تنصاع للحق ،وألا تكابر عند وضوحه ؛ولهذا ضل من ضل من أهل الكلام ؛لأنه تبين لهم الحق ؛ولكن جادلوا ؛فبقوا على ما هم عليه من ضلال .
19 - ومنها: أن الله لا يمنع فضله عن أحد إلا إذا كان هذا الممنوع هو السبب ؛لقوله تعالى:{والله لا يهدي القوم الظالمين}؛فلظلمهم لم يهدهم الله ؛وهذا كقوله تعالى:{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [ الصف: 5] .
20 - ومنها: أنه كلما كان الإنسان أظلم كان عن الهداية أبعد ؛لأن الله علق نفي الهداية بالظلم ؛وتعليق الحكم بالظلم يدل على عليته ؛وكلما قويت العلة قوي الحكم المعلق عليه .
21 - ومنها: أن من أخذ بالعدل كان حرياً بالهداية ؛لمفهوم المخالفة في قوله تعالى:{والله لا يهدي القوم الظالمين}؛فإذا كان الظالم لا يهديه الله ،فصاحب العدل حري بأن يهديه الله عز وجل ؛فإن الإنسان الذي يريد الحق ويتبع الحق - والحق هو العدل - غالباً يُهدى ،ويوفّق للهداية ؛ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية عبارة من أحسن العبارات ؛قال: «من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق » ؛وهذه كلمة مأخوذة من القرآن منطوقاً ،ومفهوماً .