{كذبت ثمود بالنذر} أي: بما جاءهم من النذر ،وهي الآيات التي جاء بها صالح عليه الصلاة والسلام ،وديارهم معروفة الآن ببلاد الحجر في طريق تبوك من المدينة ،وكان صالح عليه الصلاة والسلام أُرسل إلى قومه ،يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له كسائر الأنبياء ،قال الله تعالى:{ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} أرسله الله عز وجل إلى قومه ،وأعطاه آية وهي ناقة لها شرب ولهم شرب ،أي أن بئر الناقة الكبير الغزير الماء ،وقد ذكروا أنها إذا شربت إناء من الماء فإن الذي يسقيها إناء من الماء يحلب من لبنها بقدر ما أسقاها ،وهذا من آيات الله أن ناقة تشرب ماء ثم تخرجه في الحال لبناً ،فإن هذا ليس له عادة ،ولكنها آية من آيات الله - عز وجل - أراهم الله تبارك وتعالى إياها حتى يعتبروا ،لأن الله لم يرسل رسولاً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ،رحمة منه وحكمة ،لأنه لا يعقل أن رجلاً من بين الناس يأتي ويقول: إني رسول الله إليكم .إلا إذا أتاه الله آيات تدل على صدقه .قال العلماء: وما من آية أوتيها نبي من أنبياء الله السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلها أو أشد ،ولكن قد تكون غير متوفرة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنها موجودة في أمته الذين اتبعوه ،ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء .( أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه ) ،لأن هذه الكرامة تشهد بصدق ما كان عليه الولي ،وهذا الولي تابع لرسول سابق ،فيكون في ذلك آية على أن هذا الشرع الذي عليه هذا الولي حق ،وهذه تكون آية للنبي ،وعليه فنقول: من آيات موسى أنه يضرب الحجر ،وإذا ضربه انفجر عيوناً ،تنبع ماء من حجر يابس ،فهل كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ؟الجواب: كان له أعظم ،فإن النبي صلى الله عليه وسلم جيء إليه بقدح من ماء وليس مع الناس ماء إلا ما في هذه الركوة فوضع يده فيه ،فجعل الماء ينبع من بين أصابع يده كالعيون،سبحان الله ،وهذا أعظم من آية موسى ،لأن آية موسى يخرج الماء من الحجر ،وخروج الماء من الحجر معتاد ،كما قال تعالى:{وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأَنهار} لكن لم تجر العادة أن يخرج الماء من الإناء الذي بينه وبين الأرض فاصل إذن هذه أعظم ،وموسى عليه الصلاة والسلام ضرب البحر فانفلق فكان أسواقاً يابسة ،وهذه لا شك آية عظيمة ،وجرى لهذه الأمة أعظم من هذه ،مشوا على الماء دون أن يضرب لهم طريق يبس ،مشوا على الماء المائع الهين الذي يغوص فيه من يقع فيه ،مشوا بدوابهم وأرجلهم ولم يغرقوا ،وذلك في قصة العلاء بن الحضرمي،وفي قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم ،مشوا على الماء ،وهذا أعظم من أن يمشوا على الأرض التي تفرق عنها الماء ،وآية صالح عليه السلام هذه الناقة لها شرب ولثمود شرب ،لها يوم ولهؤلاء يوم ،وقد وقع مثلها لرسول الله عليه الصلاة والسلام في الهجرة ،فإنه مر براعي غنم وعنده ماعز أو ضأن ليس فيها لبن ،فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها فجعلت تبش من اللبن،فالمهم أنه ما من نبي بعثه الله إلا أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ،قلنا: هذا رحمة وحكمة: رحمة بالناس من أجل أن تحملهم هذه الآيات على التصديق فينجو من عذاب الله ،وحكمة ،لأنه ليس من الحكمة أن يقوم إنسان من بين الناس ويقول: أنا رسول الله .حتى يؤتى آيات .يقول عز وجل:{كذبت ثمود بالنذر} النذر جمع نذير ،والمراد به الآيات التي أوتيها صالح عليه الصلاة والسلام ،فقالوا من جملة ما قالوا في تكذيبهم