{اعلموا أن الله يحي الأَرض بعد موتها قد بينا لكم الأيات لعلكم تعقلون} اعلموا: فعل أمر ،فأمر بالعلم بهذه القضية الهامة ،وهي أن الله يحيي الأرض بعد موتها ،يعني أن الأرض تجدها يابسة ليس بها نبات فينزل الله عليها المطر فتنبت وتحيا وتنمو ،إذا علمنا هذا ونحن عالمون به ونشاهده ،فإننا نستدل به على قدرة الله - تبارك وتعالى - على إحياء الموتى ،فإن الناس أحياء الآن ،ثم يموتون ،ثم يبعثون يوم القيامة ،فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها من أجل الحساب والجزاء ؛لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله - تبارك وتعالى - خلقاً يأمرهم وينهاهم ويبيح دماء من لم يستجب وأموالهم ثم تكون النتيجة أن يموت الإنسان فقط ،بل لابد من حياة ،هي الحياة الحقيقية ،كما قال - عز وجل -:{وإن الدار الأَخرة لهي الحيوان} ومعنى الحيوان ،أي: الحياة الحقيقية التامة الكاملة التي ليس بعدها موت ،وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب ،فالقادر على أن يجعل العيدان اليابسة خضراء نامية ،قادر على أن يحيي الموتى وبكلمة واحدة ،قال الله تعالى:{فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} وقال عز وجل:{إن كانت إلا صيحةً واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون} وقال - عز وجل -: .{إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}{قد بينا لكم الأيات لعلكم تعقلون} أي: أظهرناها لكم ،والآيات هي العلامات الدالة على كمال قدرة الله - جل وعلا - وعلى كمال رحمته وسلطانه ،وأضرب لذلك مثلاً: إذا أنزل الله المطر ونبتت الأرض ،وشبعت البهائم ،وطابت الأجواء فهذا من آثار رحمته ،فنستدل بهذا على رحمة الله ،ونستدل بما خلق الله في الكون من الشمس والقمر والنجوم ،وما خلق الله تعالى في الأرض من الجبال والأنهار وغيرها على كمال حكمة الله - عز وجل - لأنك إذا تدبرتها وجدت فيها من الحكمة ما يبهر العقل ،{لعلكم تعقلون} لعل هنا للتعليل وليست للرجاء ،مع أنها في اللغة العربية تأتي للرجاء كثيراً ،لكنها هنا للتعليل ؛لأن الرجاء لا يمكن في حق الله ،إذ إن الرجاء طلب شيء فيه نوع من العسر ،لكن الله - عز وجل - لا يتصور في حقه الرجاء ،لكن تأتي لعل للتعليل ،أي لأجل أن تعقلوا ،والمراد بالعقل هنا: عقل الرشد ،أي: تعقلوا عقلاً ترشدون به ،ويكون دليلاً لكم على ما فيه الخير