{إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم} ،{إن المصدقين} أصلها: إن المتصدقين ،لكن قلبت التاء صاداً لعلة تصريفية معروفة عند أهل النحو ،{وأقرضوا الله قرضاً حسناً} أي: أنفقوا في سبيل الله إنفاقاً حسناً ،والإنفاق الحسن ما جمع شرطين ،الأول: الإخلاص لله - عز وجل - .والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،فالمرائي الذي ينفق رياء لم يقرض الله قرضاً حسناً ،ومثال ذلك: إنسان تصدق على فقير من أجل أن يراه الناس ،فيقولون: إن فلاناً كثير الصدقة ،فهذا مرائي وصدقته لا تنفعه ،ولا تقبل منه ؛لأن كل عمل يراد به غير الله فهو غير مقبول ،قال الله - تبارك وتعالى - في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ،من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه »وإنسان آخر يتعبد لله تعالى بعبادات غير مشروعة ،صاحب بدعة لكنه مخلص ،لو سألته لِمَ فعلت هذا ؟قال: أريد ثواب الله ،وأريد التقرب إلى الله ،فلا تنفعه هذه العبادة ،لعدم المتابعة ،فقوله - عز وجل -:{وأقرضوا الله قرضاً حسناً} أي: مخلصين فيه لله ،متبعين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فإن قال قائل: لماذا عبر الله تعالى بالقرض وهو الغني سبحانه وتعالى ؟
فالجواب: يقول هذا - جل وعلا - ليبين أن أجرهم مضمون ،كما أن القرض مضمون ،وسيرد عليه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ،لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهي ربا في القرض ،كيف يكون هذا ؟الجواب: أولاً: لا ربا بين العبد وبين ربه .ثانياً: القرض إذا أعطاك المقترض شيئاً بدون شرط فهو حلال ؛لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكراً ،والبكر يعني بعيراً صغيراً ،وردَّ خيراً منه وقال: «خيركم ،أحسنكم قضاء »،ولهذا عبارة الفقهاء: ( كل شرط جر نفعاً للمقرض فهو ربا ) ،ولم يقولوا كل زيادة ،{يضاعف لهم} هذا خبر ( إن ) يعني إن المتصدقين والمتصدقات وأقرضوا قرضاً حسناً يضاعف لهم ،أي: يعطون أجرهم مضاعفاً ،عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ،{ولهم أجر كريم} أي: ثواب كريم ،والكريم هو الحسن الطيب ،وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأت ،ولا أذن سمعت ،ولا خطر على قلب بشر ،وأصل الكرم الحسن ،ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما بعثه لليمن: «إياك وكرائم أموالهم » يعني إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال ،يعني أحاسنه ،«واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب »