{ إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم}
{ إن المصدقين والمصدقات} أي المتصدقين والمتصدقات في سبيل الله{ وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين ءامنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} أي لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه وشهادتهم بحقية جميع ذلك ،وقد جوز في الشهداء وجهان:أحدهما أن يكون معطوفا على ما قبله أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء وهو الظاهر لأن الأصل الوصل لا التفكيك .
والثاني أن يكون مبتدأ خبره{ لهم أجرهم} و{ الشهداء} حينئذ إما الأنبياء الذين يشهدون على قومهم بالتبليغ أو الذين يشهدون للأنبياء على قومهم أو الذين قتلوا في سبيل الله واختار الوجه الثاني ابن جرير{[6973]}:قال لأن الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم ( شهيد ) لا بمعنى غيره إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدقه فيكون ذلك وجها وإن كان فيه بعض البعد لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه إذا أطلق بغير وصل{[6974]} فتأويل قوله{ والشهداء عند ربهم} إذن ،والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ،أو هلكوا في سبيله ،عند ربهم ،لهم ثواب الله وفي الآخرة ونورهم انتهى .
ثم رأيت لابن القيم في ( طريق الهجرتين ) بسطا لهذين الوجهين في بحث الصديقية ننقله لنفاسته قال رحمه الله في مراتب المكلفين في الآخرة وطبقاتهم:الطبقة الرابعة:ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم وهم القائمون بما بعثوا به علما وعملا ،ودعوة للخلق إلى الله على طريقهم ومنهاجهم وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة ،وهي مرتبة الصديقية ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء فقال تعالى{[6975]}{ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة ،وهؤلاء هم الربانيون وهم الراسخون في العلم وهم الوسائط بين الرسول وأمته ،فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه .وهم المضمون لهم أنهم لايزالون على الحق ،لا يضرهم من خذلهم ،ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك .وقال تعالى{[6976]}:
{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} .