{ تبت يدا أبا لهب وتب} أي خسرت يداه وخسر هو ،واليدان كناية عن الذات والنفس لما بينهما من اللزوم في الجملة ،أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل ،وجملة{ وتب} مؤكدة لما قبلها ،أو المراد بالأولى خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه حيث لم يفده ولم ينفعه ،وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته ؛ لأن سعي المرء لإصلاح نفسه وعمله ،فأخبر بأنه محروم منهما ،كما تشير له الآيتان بعد ،أعني هلاك عمله وهلاك نفسه .وقال ابن جرير{[7574]} كان بعض أهل العربية يقول:قوله{ تبت يدا أبي لهب} ،دعاء عليه من الله ،وأما قوله:{ وتب} ،فإنه خبر ،أي عما سيحقق له في الدنيا والآخرة ،وعبر عنه بالماضي لتحققه .
وأبو لهب أحد عمومة النبي صلى الله عليه وسلم ،واسمه عبد العزى ،وقد اشتهر بكنيته ،وعرف بها لولد له يقال له:لهب ،أو لتلهب وجنتيه وإشراقهما ،مع الإشارة إلى أنه من أهل النار ،وأن مآله إلى نار ذات لهب ،فوافقت حاله كنيته فحسن ذكره بها .
قال الرواة:كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ،وأذية له ،وبغضة له ،وازدراء به ،وتنقصا له ولدعوته ،ومات على كفره بعد وقعة بدر ،ولم يحضرها ؛ بل أرسل عنه بديلا ،فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما ،وقد روى الشيخان{[7575]} عن ابن عباس قال:لما نزلت{[7576]}{ وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: "يا بني فهر ،يا بني عدي "( لبطون من قريش ) حتى اجتمعوا ،فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا ،لينظر ما هو ،فجاء أبو لهب وقريش فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي "؟ قالوا:نعم ،ما جربنا عليك إلا صدقا .قال: "فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد ".فقال أبو لهب:تبا لك سائر اليوم ،ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت هذه السورة .
وروى الإمام أحمد{[7577]} عن ربيعة بن عباد الديلي قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا "والناس مجتمعون عليه ،ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غدرتين يقول:إنه صابىء كاذب ،يتبعه حيث ذهب .فسألت عنه فقالوا:هذا عمه أبو لهب .وفي رواية له:"يتبعه من خلفه يقول:يا بني فلان ،هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ،فلا تسمعوا له ،ولا تتبعوه "