بسم الله الرحمن الرحيم
{ الم غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} اتفق المؤرخون من المسلمين وأهل الكتاب على أن ملك فارس كان غزا بلاد الشام وفتح دمشق وبيت المقدس ،الأولى سنة 613 ،الثانية سنة 614 .أي قبل الهجرة النبوية بسبع سنين – فحدث أن بلغ الخبر مكة .ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين ،وقالوا:أنتم والنصارى أهل كتاب .ونحن وفارس وثنيون .وقد ظهر إخواننا على إخوانكم .ولنظهرن عليكم .فنزلت الآية ،فتليت على المشركين .فأحال وقوع ذلك بعضهم .وتراهن مع الصديق رضي الله عنه على مائة قلوص ،إن وقع مصداقها .فلم يمض من البضع – وهو ما بين الثلاث إلى التسع – سبع سنين إلا وقد نظم هرقل جنود الروم وغزا بهم بلاد فارس سنة 621 .أي قبل الهجرة بسنة .فدوخها ،واضطر ملكها للهرب .وعاد هرقل بالغنائم الوافرة .ولا ريب أن ذلك أعظم معجزات القرآن .أعني إخباره عن غيب وقع مصداقه ،واستبان للجاحدين من نوره إشراقه .وفي ضمنه ،أن سائر غيوبه لك من ظهور الإسلام على الدين كله ،وزهوق الباطل ،وعلو الحق ،وجعل المستضعفين أئمة ،وإيراثهم أرض عدوهم ،إلى غير ذلك .وما ألطف ما قال الزبير الكلائي:رأيت غلبة فارس الروم .ثم رأيت غلبة الروم فارس .ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم .كل ذلك في خمس عشرة سنة – من أواخر غلبة فارس إلى أوائل غلبة المسلمين – والأرض ( كما قال الزمخشري ) أرض العرب .لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم .والمعنى:غلبوا في أدنى أرض العرب أي أقربها منهم ،وهي أطراف الشام{ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ} أي من قبل غلبة فارس على الروم{ وَمِن بَعْدُ} أي من بعد غلبة الروم فارس .ويقال:لله العلم والقدرة والمشيئة من قبل إبداء الخلق ،ومن بعد إفناء الخلق .والمعنى:أن كلا من كونهم مغلوبين أولا ،وغالبين آخرا ،ليس إلا بامره وقضائه ،وعلمه ومشيئته .كما قال تعالى{[6058]}:{ وتلك الأيام نداولها بين الناس}{ ويومئذ} أي يوم إذ يغلب الروم على فارس ،ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}