{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} قيل إن الوقف على قوله{ هم الصديقون} ثم يبتدىء{ والشهداء عند ربهم} فيكون الكلام جملتين أخبر في إحداهما عن المؤمنين بالله ورسله في الثانية أن الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداء ولهذا قدمهم عليهم في الآيتين هنا وفي سورة النساء وهكذا جاء ذكرهم مقدما على الشهداء في كلام النبي{[6977]} في قوله"أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيد "ولهذا كان نعت الصديقية وصفا لأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر الصديق ولو كان بعد النبوة درجة أفضل من الصديقية لكانت نعتا له رضي الله عنه .
وقيل إن الكلام جملة واحدة أخبر عن المؤمنين أنهم هم الصديقون والشهداء عند ربهم وعلى هذا فالشهداء هم الذين يستشهدهم الله على الناس يوم القيامة ،وهي قوله{[6978]}{ لتكونوا شهداء على الناس} وهم المؤمنون فوصفهم بأنهم صديقون في الدنيا وشهداء على الناس يوم القيامة ،ويكون الشهداء وصفا لجملة ( المؤمنين الصديقين ) .
وقيل الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله وعلى هذا القول يترجح أن يكون الكلام جملتين ويكون قوله{ والشهداء} مبتدأ خبره ما بعده لأنه ليس كل مؤمن صديق شهيدا في سبيل الله ويرجحه أيضا أنه لو كان{ الشهداء} داخلا في جملة الخبر لكان قوله{ لهم أجرهم ونورهم} داخلا أيضا في جملة الخبر عنهم ويكون قد أخبر عنهم بثلاثة أشياء:أحدها أنهم هم الصديقون .
والثاني أنهم هم الشهداء .
والثالث:أن لهم أجرهم ونورهم .
وذلك يتضمن عطف الخبر الثاني على الأول ثم ذكر الخبر الثالث مجردا عن العطف وهذا كما تقول زيد كريم وعالم له مال ،والأحسن في هذا تناسب الأخبار بأن تجردها كلها من العطف أو تعطفها جميعا فتقول زيد كريم عالم له مال ،أو كريم وعالم وله مال فتأمله ويرجحه أيضا أن الكلام يصير جملا مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلقه السعداء وهم الصديقون والشهداء والصالحون وهم المذكورون في الآية ،وهم المتصدقون الذين أقرضوا الله قرضا حسنا فهؤلاء ثلاثة أصناف ثم ذكر الرسل في قوله تعالى{[6979]}{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} فيتناول ذلك الأصناف الأربعة المذكورة في سورة النساء فهؤلاء هم السعداء ثم ذكر الأشقياء وهم نوعان:كفار ومنافقون فقال{[6980]}{ والذين كفروا وكذبوا ...} الآية وذكر المنافقين في قوله{[6981]}{ يوم يقول المنافقون والمنافقات} الآية فهؤلاء أصناف العالم كلهم وترك سبحانه ذكر المخلط صاحب الشائبتين على طريق القرآن في ذكر السعداء والأشقياء دون المخلطين غالبا لسر اقتضته حكمته فليحذر صاحب التخليط فإنه لا ضمان له على الله فلا هو من أهل وعده المطلق ولا ييأس من روح الله فإنه ليس من الكفار الذين قطع لهم بالعذاب ولكنه بين الجنة والنار واقف بين الوعد والوعيد كل منهما يدعوه إلى موجبه لأنه أتى بسببه وهذا هو الذي لحظه القائلون بالمنزلة بين المنزلتين ولكن غلطوا في تخليده في النار ولو نزلوه بين المنزلتين ووكلوه إلى المشيئة لأصابوا انتهى كلام ابن القيم وفيه موافقة لما اختاره ابن جرير في الآية .
ولما ذكر تعالى السعداء ومآلهم عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم بقوله{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}