{انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون( 29 ) انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب( 30 ) لا ظليل1 ولا يغني من اللهب( 31 ) إنها ترمي بشرر كالقصر2( 32 ) كأنه جمالة3 صفر( 33 ) ويل يومئذ للمكذبين( 34 ) هذا يوم لا ينطقون( 35 ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون( 36 ) ويل يومئذ للمكذبين( 37 ) هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين( 38 ) فإن كان لكم كيد فكيدون( 39 ) ويل يومئذ للمكذبين( 40 )} [ 29-40]
والآيات متصلة بالسياق ومعقبة على ما سبقها كما هو ظاهر ،والخطاب فيها موجه إلى المكذبين بصراحة وهو حكاية لما سوف يقال لهم يوم القيامة .وقد تكرر هذا الأسلوب في القرآن كثيرا بقصد تصوير الحال كأنما يراها السامع حتى يرتدع عن الغي ويستجيب إلى الدعوة .
والوصف في المقطع الأول قوي مرعب ،فجهنم التي يساق المكذبون إليها والتي كانوا يكذبونها ترمي بشرر عظيم الحجم والطول .وقد ضرب عليها رواق ذو ثلاث شعب يظنه الرائي ظلا واقيا ،ولكنه لا يلبث أن يعرف أنه لا يصلح للاستظلال ولا يقي من اللهب .
وكذلك ما احتواه المقطعان التاليان حيث يحيكان ما سوف تكون عليه حال المكذبين من سوء وحرج ،فهم لا يستطيعون أن يقولوا شيئا ،ولا يسمح لهم بالاعتذار عما بدا منهم ويتحدون بأسلوب السخرية والاستهتار فيقال لهم: لقد جمعناكم جميعا الأولين والآخرين فاصطنعوا أي حيلة وتوسلوا بأي وسيلة للخلاص من قبضة الله إذا استطعتم .
وكل هذا من شأنه أن يثير الفزع في السامعين ويحملهم على تدبر أمرهم قبل فوات الوقت ،وهو ما استهدفته الآيات كما هو المتبادر .
تعليق على ما يمكن أن يتوهم من تناقض في حكاية حال الكفار يوم القيامة .
ولقد يبدو تناقض بين الآيتين [ 36-37] اللتين تقرران أن الكفار في ذلك اليوم لا ينطقون .ولا يؤذن لهم فيعتذرون وبين آيات أخرى سابقة ولا حقة فيها إشارة إلى ما يكون في الآخرة من حجاج ومحاورات بين الله وبين الملائكة والكفار وبين المؤمنين والكفار وبين الكفار أنفسهم .وفيها اعتذارات عما بدا منهم مثل آيات سورة المدثر هذه:{إلا أصحاب اليمين39 في جنات يتساءلون40 عن المجرمين41 ما سلككم في سقر42 قالوا لم نكن من المصلين43 ولم نك نطعم المسكين44 وكنا نخوض مع الخائضين45 وكنا نكذب بيوم الدين46 حتى أتانا اليقين47} ومثل آية سورة الزمر هذه:{وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين71} ومثل آيات سورة المؤمنون هذه:{قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين106 ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون107} ومثل آيات سورة الشعراء هذه: ( قالوا وهم فيها يختصمون96 تالله إن كنا لفي ضلال مبين97 إذ نسويكم برب العالمين98 وما أضلنا إلا المجرمون99 فما لنا من شافعين100 ولا صديق حميم101 فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين102 ) ومثل آية سورة السجدة هذه: ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون12 ) .
وهذا التناقض المتوهم يزول إذا ما لوحظ أن هذه التعابير هي تعابير تصويرية أسلوبية وفاق ما اعتاده الناس في حياتهم للتقريب والتأثير ،وهذا الذي اعتاده الناس يتحمل هذا كما يتحمل ذلك حسب تنوع المواقف ومقتضياتها .والهدف العام هو وصف هول مصير الكفار وشدة موقفهم يوم القيامة ؛لإثارة الرعب والفزع في نفوسهم وحملهم على الارعواء والازدجار على ما قررناه آنفا .