بسم الله الرحمان الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ( 1 ) وَالأَرْحَامَ ( 2 ) إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( 1 )}
( 1 ) تساءلون به: تتساءلون به ،وقرئت بتشديد السين والمعنى واحد .وهو الذي تناشدون وتستحلفون به بعضكم ؛حيث كان من عادة العرب أن يقولوا لأجل الاطمئنان باليقين: نشدتك بالله ،أو سألتك بالله .
( 2 ) الأرحام: هي على قول الجمهور معطوفة على محل ( به ) أي اتقوا الأرحام التي تناشدون وتستحلفون بها بعضكم ؛حيث كان من عادة العرب أن يقولوا لبعضهم: نشدتك بالرحم أو سألتك بالرحم إذا أرادوا أن يطلبوا مطلبا أو يستحلفوا أحدا .وقد يرد أن تكون معطوفة على الله بمعنى واتقوا الأرحام وقطيعتها .
تعليق على الآية الأولى من السورة .
عبارة الآية واضحة .والخطاب فيها موجه للناس يدعون فيه إلى تقوى الله الذي يناشد بعضهم به بعضا ،وتقوى الأرحام بمعنى حفظها وعدم قطيعتها وهي التي يناشد كذلك بعضهم بعضا بحقها .وينبهون فيه إلى أن الله رقيب عليهم محص لجميع أعمالهم .وهو الذي خلقهم من نفس واحدة ،ثم خلق منها زوجها وأخرج منها الكثير من الرجال والنساء .
ولم يرو المفسرون مناسبة خاصة لنزول الآية .والمتبادر أنها جعلت فاتحة السورة كبراعة استهلال لما احتوته من الأحكام والتشريعات المتعددة في حقوق النساء وذوي الأرحام ،فلكل من هؤلاء حقوق يجب على الناس تقوى الله ومراقبته فيها وأداؤها إلى أهلها .وعلى ذلك يقوم المجتمع البشري قويا مطمئنا .ويتوطد التعاطف والتعاون بين أفراده الذين هم أخوة من أب واحد وأم واحدة .ومع أن المتبادر من روح الآية أن الخطاب موجه في الدرجة الأولى إلى المسلمين الذين يؤمنون بالقرآن ويتلقون ما جاء فيه نبراسا وهدى لهم ،وهم أهل الدعوة إلى تقوى الله فإن استعمال لفظ ( الناس ) لا يخلو من معنى جليل في صدد الدعوة إلى تقوى الله في الحقوق التي هي قدر مشترك بين جميع الناس الذي يتألف منهم المجتمع البشري .وبهذا كله تبدو الآية رائعة في أسلوبها ومداها .
ويلحظ أن في الآية تكرار لما ورد في سور سابقة في النزول من الإشارة إلى وحدة النفس الإنسانية وخلق زوجها منها ؛حيث يمكن أن يلمح من هذا التكرار قصد توكيد التنويه الرباني بشأن بني آدم ومركزهم بين خلق الله والتذكير بما يوجبه عليهم هذا التوكيد من تقوى الله تعالى ،على اعتبار أنهم هم المكلفون بذلك على ما شرحناه في آخر سورة الأحزاب السابقة لهذه السورة في النزول .وهناك أحاديث نبوية عديدة في تعظيم حرمة الأرحام والنهي عن قطيعتها ؛حيث يبدو من ذلك حكمة ما جاء في الآية من مناشدة الناس بالأرحام التي يتساءلون بها ووجوب تقوى الله فيها .من ذلك حديث رواه الشيخان عن أبي أيوب جاء فيه ( إن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئا .وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ){[489]}وحديث رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة قال: ( قال النبي صلى الله عليه وسلم من سره أن يبسط الله رزقه ،وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ) .وحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي جاء فيه ( ليس الواصل بالمكافئ .ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) وحديث رواه البخاري والترمذي عن أبي هريرة جاء فيه ( قال النبي صلى الله عليه وسلم ) إن الرحم شجنة من الرحمان ،فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته .وحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جبير ابن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل الجنة قاطع رحم ) .