قال العوفي عن ابن عباس:نزلت سورة النساء بالمدينة . وكذا روى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير ، وزيد بن ثابت ، وروى من طريق عبد الله بن لهيعة ، عن أخيه عيسى ، عن عكرمة عن ابن عباس قال:لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا حبس ".
وقال الحاكم في مستدركه:حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر ، حدثنا محمد بن بشر العبدي ، حدثنا مسعر بن كدام ، عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال:إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها:( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) الآية ، و ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) الآية ، و ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) و ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ) الآية ، و ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) ثم قال:هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن سمع من أبيه ، فقد اختلف في ذلك .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن ابن مسعود قال في خمس آيات من النساء:لهن أحب إلي من الدنيا جميعا:( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وقوله:( وإن تك حسنة يضاعفها ) وقوله:( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وقوله:( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) وقوله:( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ) رواه ابن جرير:ثم روى من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن ابن عباس قال:ثمان آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت ، أولاهن:( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) والثانية:( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) والثالثة:( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) .
ثم ذكر قول ابن مسعود سواء ، يعني في الخمسة . الباقية .
وروى الحاكم من طريق أبي نعيم ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن أبي مليكة ; سمعت ابن عباس يقول:سلوني عن سورة النساء ، فإني قرأت القرآن وأنا صغير . ثم قال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
بسم الله الرحمن الرحيم
( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ( 1 ) )
يقول تعالى آمرا خلقه بتقواه ، وهي عبادته وحده لا شريك له ، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة ، وهي آدم ، عليه السلام ( وخلق منها زوجها ) وهي حواء ، عليها السلام ، خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم ، فاستيقظ فرآها فأعجبته ، فأنس إليها وأنست إليه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مقاتل ، حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن قتادة ، عن ابن عباس قال:خلقت المرأة من الرجل ، فجعل نهمتها في الرجل ، وخلق الرجل من الأرض ، فجعل نهمته في الأرض ، فاحبسوا نساءكم .
وفي الحديث الصحيح:"إن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ".
وقوله:( وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) أي:وذرأ منهما ، أي:من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء ، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر .
ثم قال تعالى:( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) أي:واتقوا الله بطاعتكم إياه ، قال إبراهيم ومجاهد والحسن:( الذي تساءلون به ) أي:كما يقال:أسألك بالله وبالرحم . وقال الضحاك:واتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، ولكن بروها وصلوها ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، والربيع وغير واحد .
وقرأ بعضهم:( والأرحام ) بالخفض على العطف على الضمير في به ، أي:تساءلون بالله وبالأرحام ، كما قال مجاهد وغيره .
وقوله:( إن الله كان عليكم رقيبا ) أي:هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم كما قال:( والله على كل شيء شهيد ) [ البروج:9] .
وفي الحديث الصحيح:"اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب ; ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب [ واحد] وأم واحدة; ليعطف بعضهم على بعض ، ويحننهم على ضعفائهم ، وقد ثبت في صحيح مسلم ، من حديث جرير بن عبد الله البجلي; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر - وهم مجتابو النمار - أي من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته:( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) حتى ختم الآية وقال:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد [ واتقوا الله] ) [ الحشر:18] ثم حضهم على الصدقة فقال:"تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من صاع بره ، صاع تمره . . . "وذكر تمام الحديث .
وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها:( يا أيها الناس اتقوا ربكم [ الذي خلقكم من نفس واحدة] ) الآية .